18 ديسمبر، 2024 9:44 م

العقل في ديارنا حمار يُمتطى لتسويغ أنواع المآرب والغايات , وتركبه النفس الأمّارة بالسوء , وتأمره بتبرير ما تريد , فهو وسيلتها لتأمين رغباتها وتأجيج نوازعها , ذات التطلعات الأنانية العدوانية الفتاكة.

ومن المعروف أن الديانات والعقائد وجدت لتأديبها ولجم جماحها , وما نجحت إلا بنسب قليلة هنا أو هناك , وبقيت النفس الأمّارة بالسوء سيّدة التفاعلات وصانعة الأحداث , والعقل ظهيرها المطيع.

والمجتمعات المتقدمة إستطاعت أن تحرر العقل من قبضتها , أو ترخي تلك القبضة عليه , فصار فاعلا ومجردا من أصفادها الثقيلة الموجعة.

ومجتمعاتنا العقل فيها منفعل لا فاعل ومتفاعل , ومرهون بإرادة النفس التي خنّعته , وأهلته للإستسلام والإذعان لإرادتها , فأسست لمن يتّبعون ويساهمون في تأليف الحشود القطيعية , الراضية بما يُراد منها أن تقوم به , وهي كالمخدرة بأفيونها , خصوصا عندما يتم مزج صهبائها بزلال الدين , فترى الناس سكارى وما هم بسكارى , يتدحرجون إلى مهاوي الويلات , وحُداتُهم يرقصون على أكتاف فنائهم , ودفعهم إلى جحيمات سقر.

كيف يتحول العقل إلى حمار؟

ببساطة أن الكراسي وفقهاءها بسطوتهما وتكرارهما لآليات الإستحمار , يساهمون تدريجيا بإلغاء العقول , ودفع الناس المكبلين بالحرمان من الحاجات الأساسية للحياة , إلى خلع عقولهم والإستعاضة عنها بعقل المسؤول , فتجدهم يقلدون ويرددون ذات الكلمات , ويسيرون في دروب لا رجعة فيها , فالمهم أن يعيش العقل الذي إليه ينتمون , وبإسمه يسبّحون , وتحت قدميه يركعون.

وكيف يدرك العقل بأنه ليس حمارا؟

الفعل الأكبر أثرا أن يتولى المسؤولية مثقف يؤمن بالعقل , فيحفز الناس على تفعيل عقولهم والعمل بموجبها , والفعل الآخر أن يُزاح مَن يسمون أنفسهم بالفقهاء من التدخل بشؤون البلاد , ويركزون على دورهم الأخلاقي والقيمي بعيدا عن السياسة , وتسويق الناس كبضائع يتاجرون بها بإسم الدين.

أما المستحمرون فلا قدرة لديهم مهما توهمنا للخروج من سوح التبعية والخنوع , لأن الخارجين سيكونون قلة وتحت لعنة المنتمين لجلادهم المتاجر بالدين , فلا أمل بالناس , لأنها تأخذ شكل الوعاء الذي توضع فيه , ويمكنها أن تتجمع تحت عباءة مدّعٍ أثيم.

فهل من عقل فاعل حرٍّ أمين؟!!

و”ثقة العاطفة شهر وثقة العقل دهر”!!