المحنة الحضارية التي تواجه بعض المجتمعات أنها تعودت إستعارة عقول الغير , وتعطيل عقلها , أي تريد مَن يفكر بدلا عنها.
هذه المجتمعات مرهونة بغيرها , ولا يمكنها أن تقيم أنظمة تعتمد الحرية , ولهذا عندما جاءتها الدعوات الديمقراطية تحولت من فردٍ يمثلها إلى عدة أفراد , فالمجتمع بأكمله يساوي عدده مقسوما على عدد الأفراد المتحكمين بوجوده.
وهكذا تجد عدد المشايخ يتزايد , والسادة , والمدن التي كان فيها ديوانا واحدا صارت تضم مئات الدواوين , فالمدينة يمثلها مئة وحسب , أما أبناؤها فهم أرقام مجهولة , وبموجب ذلك تكون الإنتخابات معبرة عن عدد الأفراد (الشيوخ والسادة) , لأن الباقين يسمعون ويطيعون وينفذون ما يؤمرون به , فإن طلبوا منهم إنتخاب فلان أو علان , فهم كذلك سيفعلون.
وعليه فالديمقراطية لا أثر لها ولا قيمة أو معنى , والإنتخابات ضحك على الذقون , فتجد ذات الوجوه تتكرر لأن الأوامر لا تتغير والمنفذون لا يفكرون , ويتهافتون على الإنحشار في منظومات القطيع.
ويبدو أن البشر ميّال لعدم إستعمال عقله , والبحث عمن يتحمل مسؤوليته ويقرر أمره , أما هو فلا يستطيع أن يقوم بواجب التصدي والتحدي والتفكير والإجتهاد وإتخاذ القرار , لأن في ذلك بذل جهد وإقدام على عمل ما.
وبموجب هذه النزعة الإذعانية الإستسلامية المتوجة بالخنوع والهوان , يساهم البشر بصناعة المستحوذين على مصيره والدافعين به إلى مهاوي الردى , والمصادرين لحقوقه وهو في غاية الخضوع وتنفيذ الأوامر ولو أدت إلى القضاء عليه.
ومجتمعات بهذه المواصفات الهوانية الرافضة للإقدام والتفاعل النابه الحصيف , لا تستطيع أن تكون بيئة صالحة للسلوك الديمقراطي , والتفاعل الإنساني اللازم لبناء الحياة الحرة الكريمة , وتميل لإتباع الغير من الذين يتفننون في الإدعاءات التضليلية , خصوصا تجار الدين الذين يستعملون الناس كبضائع لتأمين رغبات نفوسهم الأمارة بالموبقات , والمقنعة بالساميات قولا , وبالدونيات فعلا.
وما أكثر التابعين القابعين في ميادين أفكهم ودجلهم الرجيم!!
وما أسعد الذين يستثمرون بالوجيع!!