القول المأثور ” العقل السليم في الجسم السليم” , يمكن ترتيبه بالقول ” العقل السليم في الكرسي القويم” بمعنى , إذا كان العقل سليما فأن الكرسي سيكون قويما , والكرسي يرمز للسلطة ومركز الحكم في المجتمع.
ويبقى الجسم السليم من مرتكزات العقل السليم , وتجدنا في ثلاثية فاعلة في حياتنا لا يجوز إسقاط أحد أركانها , لأنها متداخلة ومعتمدة على بعضها , فلا يصح أن يوضع في الكرسي شخص عليل البدن , أو يعاني من أمراض لأن عقله لن يكون سليما مهما توهمنا وتصورنا , وعندها سيكون الكرسي في مضطرب وتفاعلات ضارة بالمجتمع.
وقد فطن العرب لهذا الموضوع منذ قرون , وإنطلق الفارابي بتوصيف مميزات الذي يجلس على الكرسي لكي تستقيم أمور الدولة والمواطنين.
لكن الواقع العربي وخصوصا المعاصر قد أهمل هذه الجوانب المهمة , مما تسبب بجلوس المرضى والمصابين بعاهات نفسية وإضطرابات عقلية في الكراسي , ولهذا تمحنت الأمة وتراكمت ويلاتها وتداعياتها.
ويمكن القول أن أشهر قادة العرب في النصف الثاني من القرن العشرين كانوا مرضى , ويمكن التعرف عليهم من البحث عن تأريخهم الشخصي.
والمريض الجالس في كرسي السلطة لا يمكنه أن يكون سليم العقل , وسينجم عن ذلك إتخاذ قرارات غير صائبة مما يترتب عليها تفاعلات سلبية مضاعفة.
ولا يخفى أن عددا من قادة الدول العربية كانوا مرضى , وربما بسبب ما كانوا يعانونه من أمراض مزمنة ومتفاقمة تأثرت قرارتهم , وأسهموا في صناعة التداعيات المريرة التي عانت منها دولهم.
وبعضهم بقي في الحكم مدى الحياة , حتى داهمته الشيخوخة وأكلته أمراضها , وحف به الخرف وإضمحل دماغه لكنه متشبث بالكرسي العتيد.
ولا يمكن نسيان ما أحاق بالإتحاد السوفياتي بعد وفاة برجينيف , حيث تعاقب عليه قادة مرضى , حتى إنتهى الأمر بإختيار كورباتشوف , الذي ما وجد بدا من تفكيكه.
إن الأمم الحية تنتبه إلى الصحة البدنية لقادتها , ولسلامتهم العقلية اللازمة لتأمين أدوات القيادة وإتخاذ القرارات.
فهل لنا أن ندرك أن قادتنا بشر وعليهم أن يخضعوا لمراقية بدنية وعقلية للبقاء في السلطة؟!!