19 ديسمبر، 2024 12:38 ص

العقلانية والروحانية لدى الديني واللاديني والمادي 1/2

العقلانية والروحانية لدى الديني واللاديني والمادي 1/2

المؤمن اللاديني بحسب فهمي هو من يجمع بين عقلانية اللاديني المادي، ذي النزعة الدنيوية، وروحانية المؤمن الديني، ذي النزعة الأخروية. لكن روحانية المؤمن اللاديني، الذي يعتمد الإيمان العقلي/الفطري، ليست روحانية غارقة في الغيبيات، بل هي روحانية عقلانية، أو لنقل هي عقلية/فلسفية في الفكر والنظرية، وعقلانية/واقعية في الممارسة والتطبيق. كما إن الحديث عن النزعة الدنيوية للمادي لا يجب أن تكون بالضرورة بمعناها السلبي الديني، بل وحتى بالمعنى السلبي من وجهة نظر الأخلاق، بحيث تنتزع النزعة المادية من صاحبها القدرة على التحليق الروحي في الجماليات، سواء المحسوسة أو المعنوية، والتحلي بالنزعة الإنسانية، بل المقصود بالدنيوية واقعية التعاطي مع الواقع، وليس بمعنى الاستغراق في الأنانية. فالإنسان في محتواه الداخلي ذو بعدين؛ بعد العقل والفكر والذهن والمنطق والرياضيات والفلسفة من جهة، ومن جهة أخرى بعد الروح والنفس والعاطفة والخيال والأخلاق. ولنسمهما العقل والروح، أو العقلانية (rationality)، والروحانية (sprituality). ولكل منهما معنى مفهومي مطلق، ومعنى مصداقي نسبي. فالمعنى المطلق (المفهوم) إنما هو حصرا في عالم التجريد، والمنعكسة كصورة في الذهن، أما في عالم الواقع الإنساني، عالم ما خارج التصور الذهني، فمن غير شك لا نجد إلا المعنى النسبي (المصداق)، ولذا فالمفهوم المطلق واحد، والمصاديق النسبية متعددة. وهنا أستعير من القرآن نصين، تألق فيهما المؤلف؛ النص الأول هو: «قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِّثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَاستَقيموا إِلَيهِ وَاستَغفِروهُ»، مهملا ذيل الآية «وَوَيلٌ لِّلمُشرِكينَ» بعد «وَاستَغفِروهُ»، والنص الثاني «يا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلاقيهِ». بالنسبة للنص الأول لا يهمنا ذيل الآية التي خدشت من جمالية ما قبلها، ألا هو قول المؤلف: «وَوَيلٌ لِّلمُشرِكينَ»، لأن لاهوت التنزيه يأبى أن تكون عقيدة الإنسان مبررا لعذاب الله، كما لا يهمنا مطلعها بقوله: «قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِّثلُكُم يوحى إِلَيَّ»، إلا إذا فُهم من الوحي غير معنى دعوى النبوة وتلقي الوحي من الله، بل بمعنى إيحاءات تأملات العقل وتألقات الروح، بل الذي يهمنا من النص عبارة «أَنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَاستَقيموا إِلَيهِ وِاستَغفِروهُ». ففي كلا النصين؛ في نص «إِنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَاستَقيموا إِلَيهِ وِاستَغفِروهُ»، وفي نص «يا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلاقيهِ»، نستوحي أكثر من معنى جميل، سأوردها في الحلقة الثانية.