كان العنوان لغاية مراجعتي في 20/10/2012 «العقائد التي يوجب العقل الاعتقاد بها مستقلا»، فرأيت تعديله إلى «العقائد التي قد يوصل العقل إلى الاعتقاد بها مستقلا»، ليكون العنوان أكثر حيادية، فهناك من لن تقنعه كل الأدلة بما يراه الكتاب، ومن يتفق معه من العقليين، أنه من الواجبات العقلية، وإن كنت مقتنعا بذلك من دون أدنى شك، لا أقل حتى كتابة هذه الإضافة. إذن ما أرى أن العقل يوجب الاعتقاد به مستقلا، أي بدون وحي إلهي، حقيقياً، كان أم مدَّعىً أم متوهَّماً، وبدون دين، أو ما يوصل العقل إلى الاعتقاد به مستقلا، هو:
وجود الخالق (العلة الأولى للوجود = علة العلل = واجب الوجود = أزلي الوجود). وكما بينا إن ما كان من الواجبات العقلية، لا يجب أن يكون من البديهيات، بل قد يحتاج إلى إقامة الدليل، وهذا ما سنحاول تبيانه عبر دليل واجب الوجود. وهناك إشكال من قبل بعض اللاإلهيين على هذا الاستدلال لا يخلو من قوة من جهة، ولكننا سنناقشه في محله. والإشكال الأساسي يتلخص في سؤالين يعبران عن صعوبة استيعاب عقيدتين يؤمن بهما الإلهيون العقليون، عقيدة أزلية الخالق، وما يرتبط بها من عقيدة لامعلوليته سبحانه، وهذا الذي يعبر عنه سؤال الأطفال المشهور: ومن خلق الله؟ والإشكال الأهم تفسير ما يسمى بالشرور.
اتصافُ الخالقِ المطلقُ بكل كمال، وتنزهه المطلق عن كل نقص. (واهب الكمالات يجب أن يكون أكمل من كل كمال أعطاه لأي كامل نسبي أو محدود). وإلا فالنقص أو الكمال النسبي، الذي يعني من جهة أخرى نقصا نسبيا، من صفات الوجودات الممكنة الحادثة الفقيرة المعلولة الكثيرة، وليس من صفات الوجود الواجب الأزلي الغني غير المعول الواحد. وحيث أن حتى الكامل كمالا نسبيا، فالمدرك لمعنى الكمال، يدرك بالضرورة حسن الكمال وقبح النقص، أو أحسنية الأكمل بالنسبة للأقل كمالا، وبالتالي يسعى لسد نقصه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وهذا ما يصطلح عليه بالتكامل، الذي لا يبلغ النسبي حده المطلق، بل يظل مستقبِلا إياه في كدحه التكاملي، وهذا لا يصدق على الله لاستحالته، لأن ذلك يفرض إما عدم إدراكه سبحانه لحسن الكمال، أو عجزه عن بلوغ المطلق منه، أو إنه مدرك له غير عاجز عنه، لكن مزاجه شاء ألا يتصف به، وهذا افتراض محال للنقص في علمه، أو في قدرته، أو في حكمته، وهو يتنزه عن كل ذلك. ثم إذا افترضنا أنه متكامل، لزم علاوة على ما مر من إشكال، كونه متحولا وليس ثابتا، والتحول من لوازم الممكن الحادث الفقير، لا الواجب القديم (أي الأزلي)، الغني.
العدل (كلازم للكمال).
الجزاء (الثواب، أو التعويض، والعقاب كلازم للعدل).
الحياة الأخرى (كلازم للجزاء). ولو تحقق العدل بالجزاء الأوفى في هذه الحياة، لانتفى من الناحية العقلية سبب أساسي للإيمان بالحياة ما بعد هذه الحياة، إلا إذا كانت هناك أدلة عقلية أخرى غير العدل الإلهي بمعنى الجزاء، وهو أن الله قد أودع في الإنسان حب البقاء من جهة، ومنعه من البقاء من جهة أخرى، ولكن هذا متضمن في تحقق العدل الأوفى، فمن العدل أن الخالق الذي أودع في الإنسان حب البقاء ألا يحرمه منه.
ولست في كل ذلك مهتما بإثبات وجود الله، بقدر اهتمامي بإثبات نفي الدين، والتي تكون هذه البحوث مقدمة لذلك.