يبدو جلياً لمن يريد ان يعرف ايدلوجية المجتمع العراقي, انه مجتمع متدين ومتمسك بالدين . بغض النظر ان كان مطبقاً لتعاليم هذا الدين او متخذه شكلاً فقط, فهو مجتمع يقدس كل ماهو مرتبط بالدين وبالاخص الاسلام, الذي يشكل الانتماء الاكبر للعراقيين,
وان المجتمع العراقي يحترم المقدس بشكل مفرط وكذلك يحترم كل من يدعي الدين او هو متدين فعلاً, سيما المعمم, فـعندما يرى احدهم يقف اجلالاً واحتراماً . في الاونة الاخيرة حدث تغيير هائل في المجتمع . حيث ترى المجتمع ناقم على كل ماهو ديني ومرتبط بالاسلام, ولديه شتم وسب وعدم احترام للدين بكل اشكاله, وينفر من كل اسم متصل به, وخصوصاً الشباب, حيث بدأت موجات لادينية كبيرة تدعو الى رفض جميع المبادئ التي يقوم عليها الدين… اذن ماهو السبب في بعد الناس عن التدين وتقلبهم السريع هذا؟ قبل الاسترسال بالاجابة والبحث في الموضوع احببت ان اورد رواية قرأتها سابقاً في كتب التاريخ . يقال ان رجلاً دخل على الحجاج يوما وقال له الحجاج اتحفظ شيئاً من القرآن ؟ فقال الرجل : نعم. قال الحجاج : اقرأ لي ماتحفظ, قال : واذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس (يخرجون) من دين الله . فقال له الحجاج : لماذا قلبتها انها يدخلون . قال له : بوجودك يخرجون … مما لاشك فيه ان المؤثر الاساس في المجتمع هو رجل الدين او الحاكم الذي يدعي التدين, فالسواد الاعظم من الناس لايفرق بين رجل الدين والدين نفسه اي انه يرى رجل الدين هو من يمثل الله في الارض وغيره من الناس لايعرفون شيئاً عن الله, حتى كان رجل الدين سابقاً يحظى بأهمية بالغة من قبل الناس وكل افعاله تعتبر سنة يجب ان تتبع, على الرغم من استخدام ثقافة الاقصاء والتهميش ضدهم في الوقت السابق…حدث في العراق بعد الاطاحة، تغيير جذري في وضع رجال الدين حيث تسنم اكثرهم مناصب سياسية عدة, ومسؤوليات كبيرة في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية, وفي غضون مدة عملهم بالسلطة اخفقوا في اعمالهم ولم يخدموا الناس بشكل جيد لجهلهم بخط السياسة وانهم ليسوا اهلاً لذلك، وباتت الناس تتهم كل رجال الدين بالسرقة والنصب والاحتيال وهذا لعمري سببه السياسة التي تأتي بكل ماهو مذموم ومكروه من قبل النفوس, وبالطبع لست اقصد كل رجال الدين ففيهم من يبعث على الفخر والاعتزاز ..
اذن السبب الاساس والرئيسي في النفور عن الدين هو دخول رجال الدين المعترك السياسي. طبعاً هناك اسباب كثيرة لعله يأتي يوم ونبحث فيها ولكن في اعتقادي وحسب ماسألت بعض الناس . ان المشكلة الرئيسية هي رؤية رجال الدين في المناصب السياسية,
فخط السياسة يمثل الكذب والفجر والسرقة والبحث عن ثغرات الخصم مهما كان (حق او باطل), على العكس تماماً عما يمثله الدين فـهو يمثل الطهر والصدق والاخلاص والاخلاق الحميدة وسماح الاخر مهما كان . فلذلك اذا اردنا ان نحافظ على الدين وتمسك الناس به, يجب الابتعاد عن خط السياسة كـرجال دين . لان خط السياسة سبب في بعد الناس عن الله وكرههم لكل مسمى ديني . كنت ارى صديقان يتناقشان في قضية ما فكان احدهم يكلم الاخر ويقول . ان الدين يرى بالمسألة الفلانية كذا فيرد عليه صاحبه : <يادين ياطين شتحجي انتَ>….فينبغي على رجال الدين ان يبتعدوا عن هذا الخط اذا كانوا غير كفوئين بهكذا مجال . فوظيفة رجال الدين هي الوعظ والارشاد ونشر التعاليم الدينية السمحة وكذلك الدفاع عن المجتمع والمطالبة بحقوقه, لا أن يتشبثوا بمصالحهم التي تؤدي الى مشكلة كبرى وربما تكون مستعصية على الحل من حيث ان الناس اذا تطبعت على شي واخذت صورة نمطية عنه من الصعب ان يبدلوا صورتهم التي رسموها في ذواتهم, ولاشك ان الناس رسمت عن جميع رجال الدين انهم كذابين يبحثون عن المصلحة اينما حلت . طبعا بالتأكيد انه حكم خاطئ ليس الكل الا ان حكم الناس دائماً ينصب على الكل والمثل الشعبي يقول «الشر يعم والخير يخص». وكذلك ان هذا الحكم على رجال الدين لايشمل بعض الناس الفطريين والواعين الذين يفهمون معنى رجل الدين ولم يؤثر في تدينهم النزر اليسير من المعممين الذين اغرتهم الدنيا وخط السياسة,. وانا بيني وبين الله احب اكثر رجال الدين, وخصوصا يوجد منهم رجال انتشلونا من مستنقع الرذيلة ومنهم من قتل وضحى لاجل العراق . وكلامي نابع من حرصي عليهم وعلى تأريخهم فـهل يبقى بعض رجال الدين والمدعين للتدين في هذا الخط الذي يؤدي بهم للهاوية ؟ ام يبقون يتفرجون على عزوف الناس عن الدين .