كان الأب الحكيم في وقت ما يجمع أولاده ناصحاً لهم بألا يتفرقوا وهو يضرب لهم مثلاً بالأعواد كما وصفها الشاعر كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفرادا
ولكن لو عاد هذا الأب الحكيم العطوف المحب لأولاده في أيامنا هذه وطلبنا منه نصيحة لجمع شتات الأمة فسوف يغير نصيحته وذلك لاختلاف العلة والمرض في زماننا هذا ، فكل الشعوب والدول العربية والإسلامية تعرف حكمة الأعواد لكن مع كل هذه الاختلافات والخلافات من يتمكن من لم الشتات ويكون هو المنار من ظلمات التفرقة والتشتت ؟
فنحن اليوم لسنا في حاجة لمن ينصحنا في التوحد وعدم الفرقة بقدر ما نحن بحاجة إلى من يذيب لنا الخلافات وينهيها أو على الأقل يهون من تأثيراتها ويبرز لنا مواطن الجمع واللقاء .
نحن بحاجة إلى من يوضح لنا طريق الوسطية مزيلاً كل ما لحق بهذا الطريق من تحريف أو بدع أو تزويق وأن طريق الوسطية كفيل بجمع الأمة على شرط أن لا تكون الدعوة إليه من أجل التنظير أو الترف الفكري وإنما على من يتبناه أن يكون مؤمناً به مطبقاً له في أقواله وأفعاله ومواقفه وهذا هو الأمر الأهم . وبالعودة لواقعنا الحالي وتشتت شعوبنا ومعاناتها بسبب الأفكار المتطرفة من هذا الطرف أو ذاك ، هذه الأفكار التي أصبحت الخنجر الذي يضرب الأمة في مقاتلها والتي تحتاج إلى فكر ومفكرين لمواجهتها قبل أن تحتاج إلى سلاح وجيوش لمقاتلتها والفكر الذي يتولى ذلك هو الفكر الوسطي المعتدل البعيد عن التطرف والتعصب وهو من يأخذ بيد المجتمعات إلى بر الأمان .
ومن ملاحظة وتتبع المواقف والآراء فإن خير من يمثل هذا الفكر هو المرجع والمفكر العراقي العربي السيد الصرخي الحسني حيث استطاع أن يختط له طريقاً واضح المعالم معروف بوسطيته واعتداله من خلال الابتعاد عن التكفير والدفاع عن رموز الأمة واحترامهم بعيداً عن التأثر بالطائفية واستهجان السب والشتم ورفض التهجير وسفك الدماء والتجاوز على أرواح وأجساد وأموال وأعراض الناس ودفاعه المستميت عن أبناء المناطق الغربية في العراق ، وهو بهذا يفترق عن المرجعيات الطائفية التي أسست من أجل تفريق الأخوة أبناء البلد الواحد بل أصدرت فتاوى الجهاد الكفائي كما فعل السيستاني لتمزيق اللحمة الوطنية ولقتل الأخ أخيه بدواعي الطائفية والتعصب المذهبي .
كذلك فإن المرجع العربي حذر كثيراً من خطورة الدور الذي تلعبه إيران وتدخلها في شؤون الدول العربية لتحقيق حلمها بتأسيس إمبراطوريتها على حساب دول المنطقة وتمزيق شعوبها كما حصل في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين والسعودية وغيرها .
والشواهد كثيرة على اعتدال ووسطية المرجع الصرخي ومنها بيانه الموسوم حرمة الطائفية .. حرمة التهجير .. حرمة الإرهاب والتقتيل بتاريخ 7 / 7 / 2006 الذي جاء فيه ( نؤكد شجبنا واستنكارنا ورفضنا وإدانتنا للحقن والتعريق والتعميق والجذب والتقسيم الطائفي ولكل قبح وفساد من إرهاب وتهجير وترويع وتشريد وخطف وتعذيب وغدر وقتل وتمثيل وتشويه وتفخيخ ، تعرض ويتعرض له أبناء شعبنا العزيز ” الكرد والعرب والتركمان ، المسلمون والمسيحيون ، السنة والشيعة … ) .
ومنها أيضاً تصريحه لصحيفة الشروق واصفاً حالة النفاق والازدواجية لدى المرجعيات ومواقفهم المتشنجة بعد حادثة إعدام النمر بقوله ( سكتم عن المجازر ضد السنة في العراق وسوريا وتبكون على النمر ) .وهنا نرى أن المرجع السيد الصرخي لا يبني مواقفه على أساس التخندق الطائفي كما يفعل الآخرون ، وهو يختلف عنهم لكونه يشكل المستقبل المنظور للفكر الوسطي المعتدل الذي سوف يسحق كل مشاريع التفرقة ومنها الطائفية ، ويعزز استقلال دول وشعوب المنطقة لرفضه التبعية للدول الأخرى وخصوصا إيران .