الدارج في الواقع العربي أن السلوكيات السياسية تهدف إلى تضييع الفرض لفقدان مهارات الإغتنام والإستثمار والتطور والنماء , بل يمكن القول أن العرب لا يقررون بل هناك قِوى تقرر لهم وتملي عليهم ما يقومون به , وفقا للتوازنات المحسوبة بمنظار مصالحها وتطلعاتها.
وبعد أربعة عقود مما جرى في إيران , يمكن القول بأن العرب لم يستثمروا تلك التغيرات التي رفعت ولا تزال رايات الإسلام , وتندفع بإتجاه تأكيد القوة اللازمة للتعبير عن روح الدين وجوهره وفق المفاهيم التي إنطلقت بها إرادة التغيير في حينها.
ولو تأملنا ما جرى لوجدنا أن العرب قد أخطأوا في تفاعلهم مع الثورة الإيرانية , وما عرفوا كيف يتواصلون معها ويساندونها ويستثمروا فيها , وخصوصا العراق الذي لبى نداءات القوى الطامعة بالمنطقة , وتم إستيراد أو نشر شعارات ذات توجهات عدوانية ومناهضة لإرادة الحالة الإيرانية , التي كان من الممكن إستيعابها وتهذيبها وتوجيهها والإستفادة منها في خدمة الواقع العربي , وتنمية التفاعلات الإيجابية التي ستبني وجودا قويا وعزيزا في المنطقة.
وكان القائمون على الحكم في إيران بأمس الحاجة للخبرة العربية والتوجيه من قبل القادة والدول التي لديها تجربة في الحكم , لكن الذي حصل كان بآليات إنفعالية وبتحفيز من قوى ذات مطامع لإنهاك العرب وإيران , فكانت الحرب العراقية الإيرانية التي لا مبرر لها , إلا أنها كانت تنفيذا لأوامر من قوى خارجية ذات مطامع إقليمية , وقد يقول من يقول ويأتي بأسباب , لكن المذنب فيها هما الطرفان العراق وإيران , بعد أن تم تأهيلهما ليكونا في حالة إنفعالية وسلوكية تستوجب العداء والإنتقام.
ولا يمكن تبرير الحرب فقط بالأسباب التي يذكرها البعض , فالطرفان قد تم تحويلهما من قبل القوى الخبيرة والمهيمنة إلى بيادق ودمى وتحركت وفقا لما هو مرسوم , وأديمت الحرب على هذا المنوال , حتى تحقق الإنهاك والدمار والفتك النفسي والمادي بالطرفين , وحالما هدأت النيران تم التأهيل لجولة أخرى ذات تداعيات أوصلت الواقع العربي إلى ما هو عليه اليوم.
ولا تزال اللعبة على سكتها , وما تعلم منها العرب ولا إيران , وإنما تجدهما على أهبة الإستعداد للإنزلاق في أتون التداعيات الخسرانية المضرة بالجميع , ولا يُعرف متى سيرعوون وينتبهون إلى مآلات التواصلات السلبية , ويدركون بأن الأخوة والتفاعلات الإيجابية بينهما ستمنحهما القوة والإقتدار الحضاري المعاصر لمواجهة أية قوة تريد النيل منهما.
فلن يهنأ العرب والإيرانيون إلا بالتواصل المثمر الصالح الكفيل بتطويرهما وتنمية قدراتهما المتنوعة , فهل ستتفاعل الدول العربية وإيران على أسس الجيرة الطيبة والأخوة الدينية والإنسانية , والعمل المشترك الذي يضمن المصالح ويؤمّن المستقبل الآمن السعيد لشعوب المنطقة؟!