20 فبراير، 2025 11:17 م

يبدو أن عقل دونالد ترامب لا يزال مسجونًا في صفحات التاريخ الأمريكي القديم، ذاك التاريخ الملطخ بالدماء، حيث تأسست الولايات المتحدة على جثث السكان الأصليين، مالكي الأرض الحقيقيين. لقد شهدت البشرية في ذلك الوقت غزوًا وحشيًا قلّ نظيره، حيث أُبيدت القبائل الهندية الحمراء بالكامل، أو أُجبرت على الاندماج القسري في المجتمع الأمريكي الناشئ، بلا أرض ولا هوية.

واليوم، يريد ترامب إعادة إنتاج هذا النموذج الدموي، ولكن هذه المرة في فلسطين، عبر مخطط تهجير أهل غزة من أرضهم، التي ارتوت بدمائهم لآلاف السنين، تحت ذريعة “السلام”. لكن أي سلام هذا الذي يتحدث عنه؟ هل السلام يُبنى على طرد السكان الأصليين من أراضيهم وحرمانهم من حقهم في العيش بكرامة؟

مغالطة المقارنة بين العرب والأباتشي

يبدو أن ترامب وأمثاله يقرأون التاريخ قراءة سطحية، فيظنون أن العرب يشبهون قبائل الأباتشي، وأنهم سيتعرضون لنفس المصير. لكن الفرق شاسع بين الحالتين. كانت قبائل الأباتشي والهنود الحمر عمومًا جماعات بدائية تعيش بلا مشروع حضاري متكامل، ولم يكن لها تاريخ من الدولة والنظام السياسي المتماسك. وعندما واجهت القوى الاستعمارية الأوروبية، لم تكن تملك سوى وسائل بسيطة للمقاومة، فانتهى بها الأمر بين الإبادة أو الاندماج القسري.

أما العرب، فهم أمة ذات جذور حضارية عميقة، وأصحاب تاريخ ممتد في السياسة والفكر والعلم، وحملة رسالة إنسانية عظيمة. لا يمكن اختزالهم في مجرد قبائل متفرقة، بل هم شعوب عريقة أنشأت حضارات كبرى، من بغداد إلى دمشق، ومن القاهرة إلى الأندلس. وعلى مر العصور، لم يكن العرب يومًا بلا مشروع، ولم تكن مقاومتهم مجرد رد فعل مؤقت، بل كانت دائمًا امتدادًا لهويتهم الثقافية والدينية.

والمقاومة تكليف شرعي وليست خيارًا

على عكس ما يتصوره ترامب، فإن مشروع المقاومة لدى العرب ليس مجرد فعل يائس ناتج عن الضغط، بل هو عقيدة راسخة وتكليف شرعي. نحن نؤمن بأن من يموت دفاعًا عن أرضه ووطنه شهيد، وخالد في الجنة، وهذه العقيدة تجعل فكرة الاستسلام مستحيلة.الهنود الحمر لم تكن لديهم هذه العقيدة، ولم يكن لديهم امتداد حضاري يحمي هويتهم، فتمكن المستعمرون مسحهم وإنهاء وجودهم كأمة مستقلة. أما العرب، فقد أثبتت تجاربهم عبر التاريخ أنهم قادرون على مقاومة الاحتلال، سواء كان صليبيًا أو مغوليًا أو استعماريًا حديثًا. وكل محاولة لإقصائهم أو إبادتهم باءت بالفشل، لأنهم لا يقاتلون من أجل البقاء فقط، بل من أجل مبدأ وحق تاريخي وديني مقدس.

على ترامب ومن يفكر مثله أن يدركوا أن العرب ليسوا الأباتشي، وأن فلسطين ليست أرضًا بلا شعب يمكن تهجيره كما حدث للهنود الحمر. المقاومة في فلسطين ليست مجرد حركة عابرة، بل هي امتداد لصراع طويل لن ينتهي إلا باستعادة الحقوق، لأن أصحاب الأرض الحقيقيين لا يمكن أن يقبلوا بالعيش كلاجئين إلى الأبد.

التاريخ لا يعيد نفسه بنفس الطريقة، ومن يظن أن بإمكانه محو أمة عريقة مثل العرب، كما مُحيت قبائل الأباتشي، فهو لا يفهم التاريخ ولا يعرف كيف تصنع الأمم مصيرها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات