22 ديسمبر، 2024 5:01 ص

العرب في نظر الفرس، والفرس في نظر العرب

العرب في نظر الفرس، والفرس في نظر العرب

3ـ 3
تناولنا في الجزء الأول النظرة الفارسية الدونية للعرب وإتهامهم بأنهم يأكلون السحالي والجراد والضب في الوقت الذي يشرب فيه كلاب أصفهان الماء البارد كمقارنة ، وتناولنا في الجزء الثاني ما كان يأكله العرب، وبينا أن أول كتاب طبخ في العالم كان عربيا، وضم المئات من أصناف الطعام والحلوى، علاوة على كتب أخرى يمكن الرجوع اليها بسهولة. وكما وعدنا القراء سنتناول في هذا الجزء ما كان يأكله الفرس، وليس الغرض من مبحثنا الإساءة الى الشعب الفارسي عموما، وإنما نخص من يطعنوا في العرب ولا يفرقوا بين الأعراب والعرب، وبين ما يأكلة الأعراب وما يأكله العرب، وهذا الخلط الشعوبي مقصود وليس عفويا كما يظن البعض، فنواياه واضحة للعيان، وهي الإساءة الى العرب عموما، لذا سنقلب السحر على الساحر. وكما أشرنا سابقا فإن هذه المباحث مستلة من كتابنا القادم حول النظرة الفارسية الدونية للعرب.
من هم قطاع الطرق
في التراث الفارسي يصفون العرب بأنهم لصوص وقطاع طرق، يقول الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ” إن الصدمات التي واجهها كل من شعبي إيران و الروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين و المعاملة التي تلقوها من الأعراب، البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام العظيمة، أورثت في نفوسهم نزعة صدود عن العرب، وشريعة العرب، فطبيعة سكان البادية الأوباش الخشنة، وذلك الخراب والدمار اللذين ألحقوهما بالمدن الجميلة، والأراضي العامرة، في الشرق والغرب، وغارات عباد الشهوات العطاشى إلى عفة وناموس الدولتين الملكية والامبراطورية”. (رسالة الإيمان).
لكن ما فاتهم هو تناسيهم أو تغافلهم عن معنى كلمة (فارسي)! فقد ذكر هيرودتس في تأريخه الشهير أن معنى فارسي هو قاطع طريق! كما ذكر ابن حوقل” ليس يستدرك من مفازة فارس وخراسان غير علم الطريق وما يعرض فى أضعاف طرقها من المنازل والرباطات الموقوفة على سابلة الطريق ليستجار بها فى شدّة البرد من الثلوج وفى شدّة القيظ من الحرّ وليس فيما عدا أطرافها كثير عمارة ولا سكّان، وهذه المفازة من أكثر المفاوز لصوصا وفسّادا، وذلك أنّها ليست فى حيّز إقليم بعينه فيرعاها أهل ذلك الإقليم بالحفظ وتحيط بها أيد كثيرة من سلاطين شتّى فبعض هذه المفازة من عمل خراسان وقومس وبعضها من عمل سجستان وبعضها من عمل كرمان وفارس واصبهان وقمّ وقاسان والرىّ فإذا أفسد القاطع فى عمل دخل عملا آخر، ومع ذلك فهى مفازة يصعب سلوكها بالخيل وإنّما تقطع بالإبل فأمّا دوابّ عليها أحمال فلا تسلكها إلّا على طرق معروفة ومياه معلومة إن تجاوزها فى أعراض هذه المفازة متجاوز هلك، وقد سلكتها على الوجهين جميعا فمّرة مع المفردة وأخرى مع الجمال المحمّلة، ولللصوص فى هذه المفازة ملجأ يعتصمون به ويأوون اليه ويخفون فيه الأموال والذخائر يعرف بجبل كركس كويه وكركس اسم المفازة التى تتاخم الرىّ وقمّ الى مسيرة أيّام عنه”. ( صورة الأرض).
كما ذكر المقدسي” القفص يسكنون جبالا بكرمان يتاخم نيسابور، قوم لا خلاق لهم وجوه وحشة وقلوب قاسية وبأس وجلادة لا يبقون على أحد ولا يقنعون بالمال حتّى لا يقتلوا من ظفروا به بسلاح، بل بالأحجار كما تقتل الحيّات تراهم يضعون راس الرجلعلى بلاطة ثم يضربونه بالحجر،حتّى ينصدع وسألتهم عن ذلك قالوا: لا تفسد سيوفنا ولا يفلت منهم أحد الّا ندر، ولهم مكامن وجبال يمتنعون بها وكلّما قطعوا في عمل هربوا الى آخر”.(أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم). وقال المؤرخ اليعقوبي “بغداد ليس مثل ولا كأرض خراسان، الطاعنة في مشرق الشمس، التي يحيط بها من جميع أطرافها عدوّ كلب، ومحارب حرب”. (كتاب البلدان). في جعبتنا الكثير من هذه الأقوال ولكن للأختصار سنكتفي بهذا العرض فقط.
وقال الهمداني عن بعض الظرفاء” مجالسة أهل فارس تورث الزندقة. ومجالسة أهل الأهواز تورث الغدر. ومجالسة أهل البصرة تورث صغر الهمة. ومجالسة أهل واسط تورث البذالة. ومجالسة أهل الكوفة تورث المروءة والتجمل. ومجالسة أهل بغداد تورث الفتك والظرف واللباقة والنظافة”. (كتاب البلدان للهمداني). كما كتب العتّابي إلى المأمون: إن للعرب البديهة، وللعجم الرّويّة، فخذ من العرب آدابها ومباني كلامها، وخذ من العجم مكايدها ونتائج فكرها، تجتمع لك فصاحة العرب ورجاحة العجم”. (البصائر والذخائر). وقال عبد الرحمان بن أخي الاصمعىّ دخلت على الجاحظ فقلت افدنى في البلدان فائدة قال نعم الأمصار عشرة المروّة ببغداد والفصاحة بالكوفة والصنعة بالبصرة والتجارة بمصر والغدر بالريّ والجفاء بنيسابور والبخل بمرو والصّلف ببلخ والحرفة بسمرقند، وقد صدق لعمري”. (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم).
الفرس يأكلون الصراصر
تحت عنوان (فصل الصراصير) كتبت مراسل الدورية الأسبوعية الإيرانية (باسارجاد) السيدة (لاله خواجويي) موضوع تناول أكل الفرس لصراصير الليل في مدينة سيرجان الإيرانية وهي تعود إلى عقود قديمة، حين ضربت المدينة المجاعة والقحط، اُجبر الناس على أكل الجراد والصراصير. وقال” في تمام العاشرة صباحاً من أحد الأيام وفي ممر بجوار السوق يقف شاب يبيع (صراصر الليل) يضع أمامه مجموعة من الأكياس البلاستيك المملؤة بالصراصير التي تصدر أصواتاً رغم غلق الأكياس بإحكام. تقف إلى جواره سيدة في منتصف العمر وتسأل: بكم ؟.. فيجيبها: 5 آلاف طومان! فتشتري السيدة شنطة، وتقول: صرصار الليل غالي الثمن لكنه مفيد لأوجاع الأيدي والأقدام. سألتها كيف تأكلونها؟ فأجابت: نضعها بداية في الماء المغلي حتى تموت ونقوم بقطع أيديها وأرجلها ثم نقليها ونأكلها مثل المكسرات.
يقول بائع في حديثه مع الدورية الإيرانية: نعمل منذ سنوات في بيع هذه النوعية من الصراصير، وهي تطير في الصباح وتقضي الليل على نباتات( Zygophyllum eurypterum)، والبعض يقوم باقتلاع النبتة للحصول على الصراصير، لكننا نقوم باصطيادها وبالتالي نقوم بوضع فراش تحت النبات ونهزها فتتساقط الصراصير، ولا تتحرك وتقوم فقط بإصدار الأصوات ونقوم بوضعها داخل أجوال زنة الواحد منها 16 كيلو. وتباع في شوارع (شهربابک، وتل ساربونی، وجمبیل). فسألت الوكالة: متى يبدأ الموسوم؟ فقال: يبدأ مع شهر حزيران/يونيو. ولأننا بدو ولدينا 1500 خروف فنحن دائماً في الصحراء ونعرف جيداً أين نجد الصراصير.
كما نشرت (وكالة أنباء الميزان الإيرانية) تقريراً مصوراً عن تناول الصراصير في مدينة كرمان. وكتبت الوكالة” حشرات عجيبة ونادرة وعمرها قصير ولها بحسب السكان المحليين فوائد كثيرة. تظهر هذه الحشرات في مدن محافظة كرمان مثل (شهربابک، وزیدآباد، وسیرجان). وهذه الحشرات هي نوع مخصوص من صراصير الليل تظهر كل عام في فصل الربيع وتموت بنهاية الفصل. وتنتشر هذه الحشرات في الصحاري والقفار وتضع بيوضها على أوراق النباتات، ثم يؤدي هطول الأمطار إلى تساقط البيوض على الأرض، ثم تنمو الحشرات مجدداً من الأرض، ويكثر عدد الحشرات بزيادة الأمطار. وبحسب السكان المحليين خبرة البدو بالصحراء تساعدهم على صيد وبيع الصراصير لما لها من فوائد علاجية كبيرة. كما تناولت (صحيفة شمس يزد) الإصلاحية الإيرانية، الموضوع من زاوية الحل والحرمة وقالت: “أفتى كل مراجع التقليد بحرمة بيع وتداول وأكل الحشرات. وفي معرض إجابته على سؤال حول الحكم الشرعي لأكل الحشرات المفيدة في علاج بعض الأمراض، أفتى المرشد علي خامنئي بحرمة أكل الحشرات تماماً لكن يجوز التداوي بهذه الأشياء إذا تم القطع بفائدتها وعدم وجود علاج بديل”.
يشيد الفرس بمعاجيز ملوكهم وهي ليست سوى أساطير ومعاجيز من وحي خيالهم المريض، قال ابو الطيب الحسيني القنوجي” نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيه الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم وهو الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وإن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون”. (أبجد العلوم).
الخلاصة: غالبا ما تتضمن المؤلفات الفارسية القديمة والحديثة الإشارة الى مثالب العرب، وينعتوهم بصفات مسيئة غالبها كذب وإفتراء، مع هذا لا يوجد قوم قديما وحديثا لا توجد عندهم مثالب ومحاسن، والفرس تأريخهم أسود حالك من هذه الناحية. فمجرد نكاح الأمهات والأخوات يكفي لإدانتهم، فهو عار ما بعده عار. وعليهم ان ينظروا لعيوبهم، قبل ان ينظروا الى عيوب الآخرين. بل عليهم ان يحمدوا الله تعالى على نور الحق أولا، ويحمدوا الإسلام الذي بدد ظلام المجوسية ثانيا، والخليفة عمر الفاروق الذي بدد عنهم عيوب المجوسية والزرادشتية ثالثا.