بادئ ذي بدء أود أن أنوه إلى إن كلمة أو مفردة ” الأعجمي ” الواردة في هذه السطور لا تخص دولة أو قومية محددة بل هي كلمة جامعة لكل القوميات غير العربية سواء كانت فارسية أو غربية أو كردية أو تركية أو غيرها, لذا اقتضى التنويه كي لا يحصل خلط أو فهم مغلوط عن القارئ الكريم …
ابتدئ كلامي وأنا أبدي أسفي على العرب وعلى العروبة لأنهم جعلوا التبعية لدول وجهات غير عربية سبة وعار في ما بينهم بل جعلوا هذا الأمر سبباً وذريعة للقتل وسفك الدماء, كما يفعل الدواعش التيمية التكفيريون على وجه التحديد, بينما واقع الحال الآن يظهر وبكل وضوح إن كل العرب قد تعددت ولاءاتهم بما فيهم حتى الدواعش, فهم يهتفون ضد الصليبية واليهود وفي الوقت ذاته يستخدمون الأسلحة الصليبية ويبيعون على الصليب واليهود النفط لشراء الأسلحة وبينهم اتفاقيات ومعاهدات سرية لكنها مفضوحة, المهم في الأمر والكلام الآن عام تجد العرب الآن منقسمين على أنفسهم, هذا الطرف العربي يتهم الطرف العربي الآخر بالتبعية والولاء لجهات أعجمية شرقية, وهذا الطرف يتهم الآخر بالتبعية لجهات أعجمية غربية, فهذا يقول يتهم ذاك بالولاء لإيران أو روسيا وذاك يتهم الآخر بالولاء والتبعية لتركيا و أميركا, وهذا الإتهام المتبادل ليس مجرد تراشق إتهامات بل هو حقيقة يؤكدها واقع حال العرب الآن, فهذا يستقوي بالغرب وذاك يستقوي بالشرق, وهذا يستعين بالشرق وذاك يستعين بالغرب لوضع الحلول لمشاكله.
فما يجري الآن في الساحة العربية وبالتحديد في ما يخص القضية السورية والعراقية واليمنية, تجد إن الأطراف المتصارعة هي عربية, وقد سلمت هذه الأطراف زمام أمورها بيد الأعاجم من الشرق والغرب وكأن الأمة العربية قد عقمت ولم تنجب قائد أو حاكم أو ملك أمير أو رئيس أو سلطان قادر على أن يكون هو المحور الأساسي لحل كل الأزمات التي يمر بها العرب!! والسبب في ذلك هو الارتماء بأحضان الأعاجم وأخذ كل طرف يستعين بجهة أعجمية ليستقوي بها على الطرف العربي الآخر !! والنتيجة هي لم يصل العرب إلى الآن لحل لمشاكلهم ولم يقف نزيف الدم الذي سال بسبب صراعاتهم وتناطحاتهم, وهذا ليس بجديد بل له جذور وإمتدادات تاريخية قديمة ترجع إلى عدة قرون, ولعل فترة حكم الأيوبيين أحد أبرز تلك الشواهد, حيث كان الخليفة أعجمي – صلاح الدين الأيوبي كردي – أو مستشاره أعجمي والوزير أعجمي والخادم أعجمي, وكذا الحال في الخلافة العباسية أو في فترتها الأخيرة, والنتيجة السيف هو الحكام بين العرب وإمعان في القتل وسفك الدماء!! بينما تجد الجفاء كل الجفاء عن القيادات العربية وتهميشها وتغييبها وتسليم زمام الأمور بيد الأعاجم وجعل الحل والعقيد عندهم !!.
فكانت ولا زالت السياسة عند العرب هي التسليم والإنقياد للأعاجم بشتى قوميتاهم وكأن العرب لا يوجد فيهم الخير, فظلموا أنفسهم عبر التاريخ عندما جعلوا الأعجمي الكل بالكل كما بين ذلك المرجع الديني السيد الصرخي الحسني في المحاضرة الثانية والعشرون من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) حيث قال …
{{… هذه هي السياسة، كما يحصل الآن تجد السنّي يتحالف مع اليهودي أو المسيحي، مع الدولة الغربية أوالشرقية، مع الدولة الشيعيّة أو الصفويّة أو المجوسيّة أو الفارسيّة أو التركية أو الزنكية أو الأيوبية أو الفاطمية أو الإسماعيلية أو غيرها من عناوين، ضدّ السنّة أو ضدّ أبناء دينه أو مذهبه، وفي المقابل أيضًا تجد الشيعي يتحالف مع التوجهات الأخرى المختلفة دينًا وطائفة ومذهبًا مع توجهه، ضدّ أبناء مذهبه وطائفته ودينه، وهكذا تجد هذه هنا وهنا وهي عبارة عن مصالح وسياسة)) فَإِنَّهُ كَانَ يَخَافُهُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ (( إذن ارتباط صلاح الدين بنور الدين هو ارتباط شكلي، كما قلنا لم يأخذ صلاح الدين الدولة الفاطميّة ويسيطر عليها إلّا برضا وقبول وإمضاء ودعوة الخليفة الفاطمي، وخلاف هذا أتى بأساليب أخرى وكلّ إنسان له شأن في تسمية الأسلوب الذي انتهجه صلاح الدين، ويعطيه عنوان في كيفية أخذ صلاح الدين الحكم من الفاطميين، الآن لنرجع خطوة إلى الخلف، فماذا فعل صلاح الدين مع نور الدين وهو ولي نعمته ونعمة الأيوبيين؟ هو مرتبط بنور الدين وتحت ولايته ووصايته ولكن لا يرضى أن يدخل نور الدين إلى مصر خوفًا من عزله!!!.
لاحظ: الكلّ أعجمي! الخليفة أعجمي والنائب أعجمي والخادم أعجمي والعالِم أعجمي، وكأنّنا نعيش تلك الأيام، أو تلك الأيام هي حاضرة هنا الآن، ممّا يؤسف له لا يوجد خير في غير الأعجمي- أي غير العربي-، لا يوجد في العرب من فيه الخير والهمة والصلاح والرجولة والقدرة والعمل والاهتمام، فهذا يرمي نفسه لهذه الجهة ويستعين بها وذاك يرتمي للجهة الأخرى وهكذا، فنفس الحال الذي مرّ به العرب في تلك الفترة فهم يمرّون به في هذه الفترة، والكلام هنا ليس في الجانب القومي بل نقول: ألا يوجد مسلم غير أعجمي يصلح للقيادة وللرئاسة وللإمرة وللخدمة؟ ألا يوجد أمير شجاع جسور حكيم عالم بينهم، بل مسلم أعجمي فارسي تركي غربي أوربي أميركي أفغاني هندي صيني في السابق وفي هذا الزمان، يلتجيء إليه أهل الإسلام واصل الإسلام وقلب الإسلام في بلاد العرب؟؟؟ …}}.
وهذا حال العرب منذ عصور سلموا أمورهم بيد غيرهم حتى تصاغرت تلك الدولة التي كانت تمتد من الصين إلى أوربا وتقهقرت وتراجعت فأصبحت عبارة عن دويلات تفرقها الولاءات والتبعيات للأعاجم وكأنهم ليس خير أمة أخرجت للناس!!.
المحاضرة الثانية والعشرون “وَقَفات مع تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري” …
https://www.youtube.com/watch?v=jda2uHVRQdU