23 ديسمبر، 2024 3:33 ص

العرب يتصرفون بأساليب مشينة ويقدمون أنفسهم للدنيا على أنهم لا يمتون بصلة للعصر , وفي زمن الإعلام الفوري والتواصل العولمي يقومون بأفعال تنفر الدنيا منهم أجمعين.
فالذي أوصل حال العرب إلى ما هم عليه اليوم العرب أنفسهم , فمنذ أن سقطت الدولة العثمانية , بل ومنذ منتصف القرن التاسع عشر والعرب يتصرفون بعدوانية على ذاتهم وموضوعهم , وهم لا يشعرون أو في غفلتهم سادرين.
ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر أو تم تأسيس ما يسمى بالجمعيات الممولة من القوى المناهضة للعرب , وبرز فيها ما نسميهم بالمفكرين والمتنورين الذين إستحضروا أفكار الغرب بما يحقق مصالح الغرب , وراحوا يكتبون ويخطبون ويضللون حتى أوهمو العرب بأن عليهم أن يؤسسوا دولتهم القوية , ولا بد من الثورة التي تم إعدادها بأساليب خبيثة الذكاء وقادها الشريف علي بن الحسين في مكة , وبعد أن تأكدت هزيمة الدولة العثمانية , تم الإنقضاض على قائد الثورة وأولاده وصاروا شذرا مذرا , وما بقي منهم إلا ما نراه في الأردن , وأصبحت الدولة العربية أقطارا وإمارات وممالك مرهونة بإرادة الذين صارت من حصتهم , ومضى الحال حتى اليوم , والذي يدّعي بأن الدول العربية ذات سيادة وحرية تقرير المصير إنما هو في غياهب الجهل والخداع.
فمعظم الدول العربية ومنذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم مصادرة الإرادة ومرهونة المصير , وكراسيها تنفذ الأوامر , وإن لم تفعل يتم صناعة المواقف والمطبات التي تنزلق فيها وترتهن , فلا قِبل لها إلا بالتنفيذ ولا يعنيها إلا أن تبقى بالكرسي إلى أجل مسمى , وبعدها يُطاح بها بتمثيلية أو مسرحية ليحل مكانها مَن ينفذ الصفحة الجديدة من مقتضيات المصالح والبرامج.
ولا يزال الحال يُنسجُ على ذات المنوال وبالأساليب نفسها , فلا تتغير إلا الوجوه والمسميات والأجندات المعززة للإستعباد والإرتهان.
وهذا يفسر ما وصل إليه العرب في كل مكان , ولولا هذا الواقع التفاعلي المرير لما أصاب العرب ما أصابهم , أي لو أن الكراسي العربية فيها قليل من الغيرة الوطنية والعزة والكرامة والإيمان بالشعب والهوية والقيمة الإنسانية والحضارية , لما آلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.
فكيف يمكن تفسير أمة من أغنى دول العالم وأثراها والجياع فيها يتكاثرون والمساكين يتوالدون , وأبناؤها يحلمون بالهجرة إلى بلدان الآخرين , وحكوماتها تجتهد بترويع الناس وتدمير البلاد , والإنقضاض على حاضرهم ومستقبلهم , بأسلحة تشتريها بأموالهم فتقتلهم بها.
العرب أعداء أنفسهم والمجرمون الآثمون بحق بعضهم , والمشوهون لتأريخهم وهويتهم ومعالم وجودهم في كل مكان , فليمضي العرب في سلوك الإنقراض والهوان , فالدنيا تعبت من سلوكياتهم المنحرفة المناهضة لأبسط المعاني والأخلاق , ومما يدمر العرب أن مآثمهم وخطاياهم مقنعة بدين لا يعرفونه وينكرون جوهره , ويجعلونه على هواهم وكما تصوره لهم أمارة السوء التي فيهم.
وبين فينة وأخرى يباغتون الدنيا بمخزية تزعزع الألباب وتفزع القلوب , فماذا ينتظرون بعد هذا المقام الأليم؟!!