المجتمع العربي يمكن تشبيهه بأنه في محنة الإنحصار ما بين الذئاب المترصدة المتحفزة والرعاة المتأهبة للإنقضاض عليه , فأينما ينظر تواجهه الأخطار وتعصف بمصيره الداهيات.
ذئاب تفترس , ورعاة تفترس!!
الذئاب تمثل القوى الطامعة بالعرب , الرعاة تمثل الذين يحكمون العرب.
وهذه الحالة تواصلت منذ عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر وحتى اليوم , وقد تراكمت طاقاتها المنكبسة في أوعية الأجيال وانفجرت فيما سميّ بالحراك أو الربيع العربي , الذي أودى بالمجتمع العربي إلى مهاوي التصارعات المدمرة.
وكأن العرب وجدوا أن لا مناض من الإفتراس , فقرروا أن يفترسوا بعضهم البعض , وبعنفوان أفظع من تصورات الذئاب والرعاة , لأن المفترسين يأكلون عند الجوع والإحساس بالخطر , أما ما يحصل اليوم فأن جميع ما في المجتمع العربي صار في حالة رعب , وتنامت في أعماقه مشاعر المخاطر والتأهب للقتال , ولا خيار إلا أن يتقاتل ويتقاتل , وهذا هو الخيار الذي يتم تغذيته وتنميته ودعمه بالطاقات والقدرات المتاحة , من قبل الذئاب والرعاة , التي صارت لا تبذل جهدا لأن الضحايا صارت تقدم لها الوجبات الجاهزة المطبوخة في أحدث الأفران , والمعدّة بمهارات إنطباح عالية جدا , فما عاد يعجب الرعاة والذئاب لحوما نيئة , وإنما تعودت على الوجبات المطبوخة بإتقان.
ويبدو أن ما يجري في الواقع العربي من مناهج العجز المُتعلم والقتل المُتعلم الذي يتحقق في الموجودات الحية , التي تجد نفسها في قبضة مُحكمة لا مخرج منها ولا زوال , وبمعنى آخر أنها تعيش في مستنقعات العُسر التي تمتنع عنها منافذ اليسر وتغيب في غياهب النسيان , وهذا السلوك المُتعلم هو الذي يعصف بالعالم العربي بأسره , ويحيله إلى عصف مأكول.
فلو أخذنا أي بلد عربي لتبين لنا هذه الآليات المطبقة عليه , ومنها الحصارات والأسر بالحاجات وتنمية القهر والإفقار والضنك الإقتصادي , وإدامة العوز والحرمان , وإدخال المجتمع في متواليات إنكسارية خسرانية لا تتوقف , وهذه وغيرها من المناهج والمشاريع الفتاكة أوصلت الناس إلى مهاوي الإنهيارات الأخلاقية والسلوكية , التي فعلت ما فعلته فيهم على مدى سنوات القرن الحادي والعشرين.
وفي هذه المعادلة الإمحاقية لا يمكن للعرب أن يتعاملوا مع الذئاب بقدرات إحترازية ودفاعية وربما هجومية , إلا بإمتلاك الرعاة الوطنيين الحريصين على مصالح البلاد والعباد , وأن يعتصم المجتمع بحبل الوطنية وبآليات البناء المرصوص , كما فعل الشعب التركي الذي وقف بوجه هجمات أعتى واشرس الذئاب المدربة على إفتراس الدول والشعوب.
فهل سيمتلك رعاة العرب غيرة عربية؟!!