” البلاد العربية… رغم توفر عناصر تكوين الأمَّة فيها… لكنها لم… ولربما لن… تصل ابدا إلى حالة الانتماء… لكيان متحد… حتى لو شكليا !!!”
الإنسان العربي بحقيقته هو إنسان الثقافة العربية، ولغة وتفكيراً هو الإنسان الذي يعيش الثقافة العربية بما فيها من لغة وعناصر تاريخية مشتركة حصلت وتحصلت بموجبها على أرض عربية قيل انها كانت مشتركة، أي جمع اللغة مع التاريخ المشترك على أرض لربما هي في الاسم كانت مشتركة، وهكذا تكونت أمم اخرى كثيرة كالأمَّم الأميركية والأوربية والفارسية، ومرجعية الإنسان العربي هي الانتماء للأمَّة العربية من حيث عناصر تكوينها كلغة وثقافة مع تاريخ ديني مشترك على أرض لربما لم تكن ابدا مشتركة، ولذا فحتى لو لم يدرك الإنسان العربي عناصر تكوين أمَّته، غير ان هناك فوارق ينبغي به اخيرا ان يدركها وهي التي بين العروبة واللغة العربية وبين العروبة والقومية وبين العروبة والوحدة العربية.
وان ارتكزنا بحوارنا عن مدى الفرق بين العروبة والفكرة القومية العربية، حول سؤال مركزي جوابه بأتم الوضوح وفحوى سؤالنا هو: هل صمد المشروع العربي؟ ويكاد إن نقول بأن المشروع العربي في مصر والعراق، يتحملان المواقع البائسة التي وصل إليها القوميون في المنطقة، لإن المشروع قد فقد في حقيقته القدرة على التأثير في المجتمع العربي، لارتباطه بالسلطة ولم يستطيعوا أن يبنوا مشروعاً ينسجم مع مقتضيات العصر، ولم يكن دورهم فعليا مؤثراً في ساحة الحياة العربية، لدرجة أن أعداء ومنتقدي المشروع يواصلون تسجيل ملاحظاتهم عليه، باعتباره مشروع سلطة دون الالتفات إلى أن شريحة من رجال المشروع العربي هم الضحايا الفعليين لسلطاته، وحتى المشروع القومي الخارج على نطاق وحصرية الواقع السلطوي، ما استطاع أن يشكل كتلة متقاربة، فبقي متمزقا متشظياً قابلاً للانشطار الذاتي إمام كل عقبة، واثر خفوته وخروج الكثير من تحت مظلته، فلنتفرغ لمراجعته، ونشير إلى سلبياته، ولا يستلزم هذا انكبابنا كالبقية للخروج من حقيقة اصولنا وجذورنا العربية لمجاملات الآخرين ومن هم اقتنعوا أو ارتأوا لسبب وأخر ارتداء قناع ديني أو علماني جديد بل لنضع مشروعاً عربياً بديلاً، لأننا بضرورة تاريخية حقيقية لإجراء إصلاحات أساسية في بنية المشروع العربي، وهنا سنلحظ أن الصوت العربي يضعف أمام قوة أصوات التيارات السياسية الأخرى، وهذه التيارات بأصوليتها لا تتصل بوشيجة ود مع المشروع العربي، فليس لك أن تجبر الإسلامي للإقرار بالتقسيم القومي بدلاً من التقسيم ألأممي للإسلام، وهذا هو ذات المواقف العلمانية، كما وليس لك أن تفرض عليهم قوميتك العربية، ولا أن تتوقع منهم الرضوخ الفعلي لمسمياتك.
الضرورة التاريخية تستلزم منا مهارة عقلية وفكرية وسياسية وإعلامية، وان التففنا حول العروبة والوحدة العربية فالدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية، بينما الدعوة إلى الوحدة العربية هي دعوة حركية وسياسية، والانتماء إلى العروبة يعني التسليم بالانتماء إلى أمَّة واحدة يجب أن تُعبّر عن نفسها بشكل من أشكال التكامل والاتحاد بين أبنائها، لكن الوحدة قد تتحقق بحكم الفرض والقوة أو بحكم المصالح المشتركة من دون أن تكون الشعوب منتمية بالضرورة إلى أمَّة واحدة، فالوحدة ليست معياراً لوجود العروبة بينما العروبة تقتضي حتماً التعبير السياسي عن وجودها بشكل وحدوي أو إتحادي تكاملي. وهكذا أصبحت العروبة الحضارية هي الثقافة العربية ذات المضمون الحضاري، وبالتالي خرجت الثقافة العربية من دائرة العنصر القبلي أو العرقي ومن حدود الجغرافية الصغيرة إلى دائرة تتسع في تعريفها لكل من يندمج في الثقافة العربية بغض النظر عن أصوله العرقية أو عن طائفته أو مذهبه، فالإنسان العربي لا يتحدد فقط من خلال كونه يتحدث بالعربية، لأن الحديث بأي لغة لا يعني بالضرورة حالة انتماء لأمَّة اللغة نفسها وان العروبة هي حالة انتماء إلى مضمون حضاري مميز تقوم على قاعدة الثقافة العربية، وهي رغم توفر عناصر تكوين الأمَّة فيها، فإنها لم ولربما لن تصل إلى حالة الانتماء إلى كيان سياسي موحَّد، ولم يحصل وفيما يبدو لن يحصل ذلك تاريخياً على أساس مرجعية العروبة فقط.
اردنا هنا بيان وايضاح المرار الذي مرت به الامة العربية على اليدين البريطانية والامريكية فور نهوضها اثر الحرب العالمية الثانية وفي أهم قضيتين وهما قضية الوحدة العربية والتي اجهضت بتحويلها إلى جامعة عربية والتي هي الأخرى ولدت ميتة، وصولا إلى الاسلوب الأمريكي في الرقص على تيارات الحركة القومية والدينية واللعب بهما كيفما شاءت، ولم تكتفي الدولتين بذلك فقد كررت ذات اللعب الراقص بالامة العربية في عشرات القضايا والتي نجحوا عبرها في تبادل الادوار وصنع سيناريوهات فارغة لأغراقها في الازمات والهموم والضياع المتواصل !!!