18 ديسمبر، 2024 11:03 م

العراق يدفع ثمن صراع أصدقائه؟!

العراق يدفع ثمن صراع أصدقائه؟!

لم يكن أحد يتصور ولا في الخيال حتى!، أن يصل العراق الى ما وصل أليه الان من حال يصعب حتى على الكافر!، كما يقال. والأغرب في هذا التصور هو الوجود الأمريكي والأيراني على الأرض العراقية، وجودا ليس عابرا بل وجودا مؤثرا وقويا وفاعلا بعد أن صاروا ليس أصدقائنا فحسب بل حتى وكأنهم أوصياء علينا!!.لقد شاءت الاقدار والظروف السياسية الدولية والعالمية، أن تكون أمريكا وأيران هم أصدقاء العراق والأقرب أليه دون العالم أجمع والأكثر حرصا على مصالحه!!؟. فبعد أن كنا بالأمس نهتف في المظاهرات (أمريكا ضد العرب شيلوا سفارتها)، صارت سفارة أمريكا بالعراق من أكبر سفارات العالم!! ( يبلغ عدد موظفيها قرابة 4000 موظف غالبيتهم يجيدون اللغة العربية وقسم منهم يجيدون حتى اللغة العراقية الدارجة!). والموقف العربي والعراقي تحديدا معروف في عدائه وكرهه لأمريكا، والذي لا يقل عن عداء ايران لها منذ قيام ثورتها عام 1979، وعداء العرب والعراق تحديدا لأمريكا هو بسبب مواقفها السيئة تجاه قضايانا العربية والمصيرية، سواء في قضية فلسطين، وموقفها الداعم والقوي لأسرائيل وغيرهها من المواقف تجاه القضايا الدولية، تلك المواقف التي أتسمت دائما بالوقوف مع الباطل ضد الحق، وبالتالي فأمريكا هي بحق عدوة الشعوب وهي الشيطان الأكبر كما يطلق عليها.أن الشعب العراقي الآن يكن العداء والكره الشديد لأمريكا أكثر من ذي قبل!، وخاصة بعد أحتلالها للعراق وأسقاط النظام السابق وبعد أن انكشف زيف أدعائها وحقيقة نواياها الخبيثة في تدمير وتخريب العراق وتقسيمه. ونفس الحال يقال عن العلاقة مع أيران فالعداء العربي الفارسي معروف تاريخيا، ليس منذ حرب القادسيتين فحسب بل في الكثير من المواقف بين البلدين الجارين، فمواقف المقبور شاه أيران السياسية والأقتصادية معروفة تجاه العراق والمتمثلة في صراع تقاسم المياه في شط العرب، وحتى في الصراع على تسمية الخليج العربي الى (الخليج الفارسي)!، ناهيك عن الصراع على الحقول النفطية المشتركة!، وكذلك في موقف الشاه الداعم لأنقلاب 8/ شباط/ عام 1963المدعوم أصلا من قبل أمريكا! والذي أطاح بحكم الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم. بعد هذا الأستعراض البسيط عن علاقة العراق تاريخيا مع كل من أمريكا وأيران، لا نقول شيء سوى أن هذا هو واقع الحال السياسي في العراق فأعداء الأمس ممكن أن يكونوا أصدقاء اليوم كما في حالنا نحن!، وكما هو معروف في عالم السياسة بأن ليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل فيها مصالح دائمة. نعود الى صلب الموضوع وما دام الأمر كذلك وأصبح وجود أيران وامريكا واقع حال وأمر مفروغ منه، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أستفاد العراق من صداقة أيران وهي الدولة الأقليمية الكبرى ووجودها الفاعل على الساحة العراقية؟, وكذلك هل أنعكست صداقة أمريكا بكل هيلمانها وعظمتها وجبروتها وطغيانها بالخير على العراق؟، الجواب كلا ومع الأسف!. لكون أن صراع أيران مع امريكا منذ قيام ثورتها عام 1979 أنتقل منذ الأحتلال الأمريكي للعراق وأسقاط النظام السابق عام 2003 الى الساحة العراقية وبكل الأوجه السياسية والأمنية والأستخبارية وحتى الأقتصادية وبشكل تصاعدي وبدون توقف، مستغلين كليهما ضعف الطبقة السياسية الحاكمة بالعراق وفسادها وعمالتها لهذا الطرف أو ذاك!،حتى أن أحد المسؤولين الأيرانيين صرح ساخرا على ضوء صراعهم مع أمريكا في العراق، وبعد تولي الدكتور (عادل عبد المهدي) منصب رئيس الحكومة، قائلا: بأننا فزنا على أمريكا بنتيجة 3- صفر!!، في أشارة واضحة بأن الرئاسات الثلاثة (منصب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة) كلها أصبحت بيد أيران!!. ان الصراع الأمريكي الأيراني في العراق سبب الكثير من الحرج للحكومات التي قادت العراق من بعد سقوط النظام السابق عام 2003 وكان السبب وراء خلق الكثير من الأزمات السياسية بين الأحزاب السياسية من جهة وبينها وبين أمريكا وأيران من جهة أخرى، وخاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي (ترامب) رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ،المعروف بتشدده ضد أيران، حيث لم ينتظر طويلا وأعلن الأنسحاب من الأتفاق النووي مع أيران!، والذي أبرم عام 2015، ومن الطبيعي عادت العقوبات الأقتصادية الأمريكية على أيران تدريجيا. وتعد حزمة العقوبات الأمريكية الثانية والتي بدأت بتاريخ 5/11/2018 الأكثر قوة وقسوة على الجارة أيران ، ومن المفيد أن نذكر هنا (أن العقوبات الأقتصادية على أمريكا كانت قد رفعت عام 2015 بعد الأتفاق النووي بين أمريكا وأيران).ولا بد هنا من التوضيح بأن العقوبات الأقتصادية التي تفرضها أمريكا على أيران تلزم جميع دول العالم بتطبيقها بما فيهم العراق مع أستثناءات قليلة ولمدة بسيطة، ولو أن العراق يسعى وبشكل جاد الى ان يكون أستثنائه من العقوبات أكبر بسبب عمق العلاقات التي تربط البلدين الجارين وحجم التبادل التجاري الكبير بينهم!. أن مثل هذه التداخلات والعلاقات المزدوجة بين العراق وأمريكا وأيران مع فرض العقوبات على أيران، أربك الحكومة العراقية كثيرا وأصبحت في حال لا تحسد عليه كما يقال! سواء كانت حكومة العبادي السابقة أو الحكومة التي تلتها حكومة (المهدي) الحالية، حيث تواجه صعوبة كبيرة في كيفية التصرف تجاه تطبيق العقوبات!. فأيران دولة لها نفوذها القوي في العراق سياسيا وأقتصاديا وأمنيا وعسكريا، كما ان العراق لا يمكن ان ينسى موقف أيران معه في حربه ضد داعش حيث شاركت أيران بكل ثقلها العسكري والأمني والأستخباري مع العراق وقدمت له كل المساعدات العسكرية والأمنية وكذلك الخدمات اللوجستية. هذا من جانب ومن جانب آخر أن العراق يرتبط مع أيران بجملة من الأتفاقات الأقتصادية والنفطية وكذلك في مجال الطاقة الكهربائية والغاز، ناهيك عن الأتفاقيات الدينية بين الطرفين في مجال السياحة الدينية وزيارة المراقد المقدسة في العراق وأيران، حتى أن حجم التبادل التجاري والأقتصادي والسياحي وصل الى الى قرابة 17 مليار دولار، وتحرص أيران الى رفع حجم التبادل التجاري بينها وبين العراق الى أكثر من 20 مليار دولار. من جانب آخر هدد الرئيس الأمريكي (ترامب) وفي أكثر من خطاب الحكومة العراقية من مغبة عدم تطبيقها وتنفيذها للعقوبات على أيران أو التساهل فيها، حيث توعد العراق بعقوبات قاسية جدا!؟. فالعراق واقع بين نارين!، فهو أن ألتزم بتنفيذ العقوبات على أيران خوفا من حماقة ورعونة الرئيس الأمريكي (ترامب)، لكي يتجنب أية عقوبة أمريكية على العراق وخاصة في ظل الوضع السياسي والأقتصادي العراقي المتدهور والذي وصل حد الأنفجار!، فأنه والحال هذه ستزعل أيران عليه! وسيثير غضبها، والحكومة العراقية والأحزاب السياسية وحتى أمريكا نفسها يعرفون تماما، ما يمكن أن تلعبه وتفعله أيران في الداخل العراقي وفي كل شيء!، لا سيما وهناك قرابة 80 فصيل مسلح يدين بالولاء لأيران، ناهيك عن سيطرتها على وزارة الداخلية العراقية كما يرى ذلك الكثير من المحللين السياسيين!.أما في حال عدم تطبيقه للعقوبات الأمريكية على أيران ورفضه ذلك!، فهذا معناه ان يستعد العراق وشعبه الى تسونامي أمريكي من الرعب والخوف والموت والعقوبات في كل شيء، وستزداد أزمة العراق اكثر وأكثر، حيث لا ندري ماذا تخبيء لنا امريكا؟!. ونحن هنا نقول بألم أن لا أيران تقدر وضع العراق في علاقته مع أمريكا!، ولا أمريكا تقدر وضع العراق في علاقته وصداقته مع أيران!. أن مثل هذه المواقف السياسية المحرجة والحساسة والمصيرية بالأكيد تحتاج الى حكومة قوية ورشيدة وذكية ووطنية، وتكاتف بين كافة الأحزاب السياسية وبين الشعب، حتى تعرف كيف تجنب العراق من مغبة هذا الصراع اللئيم على أرضه. فما بالك والعراق في هذا الوضع الحساس والخطير وهو يأن من كثرة اوجاعه ومصائبه وأزماته تأتي هذه العقوبات وكل هذه التحديات السياسية، في ظل حكومة الدكتور عادل عبد المهدي التي لم تكتمل صورتها وكابينتها الوزارية بعد ، منذ انتهاء الأنتخابات الأخيرة في 12/5/ 2018!، والذي ظهر عليه الضعف وعدم الدراية والتوهان وأفتقاده الى (الكاريزما القيادية) على أدارة دفة البلاد منذ تكليفه لرئاسة الحكومة بتاريخ 2/10/2018 وطرح برنامجه الحكومي القابل خياليا للتطبيق!!. ومن المفيد أن أذكر هنا هذا المشهد السياسي التاريخي الذي نقلته وسائل الأعلام حينها : ( أنه وفي خضم الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينات القرن الماضي، قام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمحاولة للصلح بين الطرفين، حيث ذكر للزعيمين الراحلين الخميني وصدام حسين، بأن كليكما خير سند وداعم للقضية الفلسطينية، وأستمرار الحرب بينكم لا سيضعفكم أنتم فقط بل سيضعف القضية الفلسطينية ويؤثر عليها وعلى مستقبلها كثيرا وبالتالي سيصب لصالح أسرائيل). الى هنا أنتهى ما قاله الرئيس الراحل ياسر عرفات. أقول كم كان الرئيس ياسر عرفات مصيبا في طرحه وتذكيره لكل من خميني وصدام بأن أستمرار حربهم سيفقد القضية الفلسطينية الكثير من قوتها ويؤثر على مصيرها، وهو ماحدث فعلا والى أين وصلت القضية الفلسطينية الآن!. أخيرا نقول:أن الصراع الأمريكي الأيراني لا يخدم العراق أبدا، وأن العراق لم يجن من صداقته لأمريكا ولأيران، وبنفس الوقت من صراعهم على أرضه، غير المزيد من القلق والأرتباك والفوضى والتشتت والخراب والتمزق وهذا ما لا نريده. ونتمنى أن لا يستمر العراق بدفع ثمن الصراع الأمريكي الأيراني على أرضه، منذ سقوط النظام السابق عام 2003 ولحد الآن، وأن يبعدوه عن محور صراعهم ومشاكلهم أن كانوا صادقين في صداقتهم له ويريدون له الخير كما يدعون!.اللهم أحفظ العراق وشعبه من كل سوء. اللهم آمين.