26 نوفمبر، 2024 10:08 ص
Search
Close this search box.

العراق يتجه صوب الدولة العميقة

العراق يتجه صوب الدولة العميقة

رويدا رويدا بدأت تتكشف نويا السلطة الحاكمة في العراق، فهي تسير بخطى حثيثة نحو اعادة انتاج الدولة العميقة، وسلطة الكتلة الواحدة، ليس بالضرورة ان تكون سلطة الفرد الواحد، فالامران سيان، فكلا الامرين يؤديان بالنتيجة لبناء دولة تحتكم الى قوة السلاح وقمع اي نوع من انواع المعارضة، فالمقولة التي اطلقتها الكتلة الحاكمة المتنفذة قبل أيام (السلاح بالسلاح والرجال بالرجال) هي ترجمة حقيقية لتفكير الماسكين بزمام السلطة، يبدو ان هؤلاء السادة الحكام لم يتعضوا من تجارب الماضي، ومن المصير الذي آل اليه الحكام الطغاة الذين سبقوهم، ان ولوج ذلك الدرب المعوج في طريقة ادراة الحكم، وعدم تفهم ما يجري من حولهم من احداث، والابتعاد يوما بعد يوم عن هموم الشعب، وبناؤهم لجدار عال، لحجب الرؤى عما يطالب به الشعب، حيث يتساءل الشعب عن اسباب ما حل به وبوطنه من نوائب ومحن على يد هؤلاء الغرباء عنه وعن ما يعانيه، وهو يكتوي بشكل دائم بنار الازمات التي تتفاقم باستمرار، دونما وجود افق في التغلب عليها، نتيجة للسياسات الخاطئة للحكام، والمصرَين على السير عليها، حتى لو ادى ذلك الى ضياع ما تبقى من الوطن وهلاك الشعب، المهم لديهم هو بقاؤهم في السلطة لاطول فترة من الزمن، لأنهم لم يشبعوا بعد من اسلاب الغنيمة، انهم يشرَعنون السرقات، أساءوا كثيراٍ للدين والمذهب والوطنية، ومقاييس شرف المسؤولية، فعندما هبَ الشعب منتفضا على سياساتهم الخرقاء، بدأ رأسهم باطلاق الوعود التخديرية لامتصاص غضب الشارع، بأسم الاصلاح تارة، وبأسم سحق رؤوس الفساد تارة اخرى، لكن في الحقيقة لم يجر هناك اي اصلاح حقيقي ولو بسيط وان كلما جرى هو أقل ما يقال عنه هو حلول ترقيعية وتسكينية، لامتصاص غضب الشارع، بأمل ان يستكين الناس ويعودوا الى غفوتهم، الاَ ان الامر التبس عليهم عندما اصطدموا، باصرار عنيد من لدن الجمااهير في مواصلة الاحتجاجات السلمية، ومطاولة قلَ نضيرها، وتصعيد في اساليب النضال.لقد اصابهم الرعب من الهبَة الشعبية التي لم يكن يحتسبونها، يحاولون ان يحصروا الامر كأنه هو صراع بين مختلف اطراف السلطة، من أجل مطالب فئوية، او شخصية، ويصرحون بأستمرار بأن المتظاهرين والمعتصمين ينتمون الى التيار الفلاني، ليعكسوا ان هذه المجموعات الثائرة مسيرة من قبل قائد ذلك التيار، وتتناغم معهم بعض وسائل الاعلام التابعة لكتلهم، الممولة من اموال الشعب العراقي، ووسائل اعلامية اخرى ربما تقع في خطأ تشخيص هوية الثائرين، الذين معظمهم من الفقراء والمهمشين وغير المنتمين لأية جهة سياسية، ان هؤلاء الثائرين الذين تطحنهم يوميا مصاعب الحياة ويفتقدون الى ابسط مقومات الحياة الانسانية، اضافة للانفلات الامني الذي يحصد يوميا العشرات من ابناء مناطقهم، المهمشة والمسحوقة على يد الارهاب الداعشي الاسود، الذي تنامى بسبب الفساد المستشرى في كل مفاصل الدولة العراقية، خلال العقد الذي تولَوا فيه الحكم. ان الذين اختارهم الشعب ليخففوا من معاناته على اقل تقدير، ويقدموا له ابسط الخدمات، ويوفروا له سبل العيش الكريم، في بلد يعد من الدولة غنينة، لكن الطغمة الفاسدة استعملت تلك الاصوات التي حصلت عليها سواء بصورة حقيقية او بطرق معروفة اخرى، لقد خذلت ناخبيها قبل ان تخذل الاخرين، ظهروا على حقيقتهم وبانت وجوههم الكالحة مكشوفة للجميع.انهم في الحقيقة يسيرون بالبلاد نحو قيام الدولة العميقة، ولا ندري تحت اي مسمى تكون هذه المرة؟. فبعد ان تصاعدت صيحات غضب الشارع العراقي بوجوههم، ظهروا على حقيقتهم، انهم بعيدون كل البعد عن المفاهيم الحديثة في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة، ينعم فيها الشعب بأكمله بثرواته وتعاد له حقوقه المسلوبة، وتكون مبدأ المواطنة والكفاءة والنزاهة هو المقياس الحقيقي لاختيار المسؤولين، الا ان ذلك لم يحدث ولن يحدث على يد هؤلاء ابدا لان هذه المصطلحات لا تدخل في قاموسهم السياسي، فحينما كانوا يرددونها لم يكونوا يؤمنون بها فعلا، وانما ركبوا موجة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير التي تسود العالم، ذلك بسبب النفور العام عند شعوب العالم من الانظمة الشمولية والاستبداية، ان بناء الدولة المدنية المتحضرة لا يمكن تأسيسها على يد من لا يؤمن بها اصلا، فدولة العدل التي يتساوى فيها افراد المجتمع امام القانون في الحقوق والواجبات، الدولة التي تحاسب الفاسد والسارق والمقصر مهما كانت وجهته السياسية او معتقده الديني او المذهبي او الاثني، او قربه او بعده من السلطة، لا يمكن بناؤها الا بأيدي من يؤمن بها حقا، فالحكام بعيدون كل البعد عن ابجديات هذه الدولة، فهم يقولون مالا يفعلون، ترديدهم لعبارات الديمقراطية والمدنية وحقوق الانسان وغيرها من التعابير الجميلة ما هي الا ذر للرماد في العيون، وللاستهلاك المحلي والدولي ليس الاَ، حيث بدأوا يضيقون ذرعا ببعض الاصوات التي تبث من على بعض الفضائيات القليلة التي تتناغم مع تطلعات الشعب، بالرغم من انني لا اتفق معها على بعض الالفاظ التي تطلق من على منابرها، لكنها في الحقيقة، استقطبت ملايين المشاهدين وأثرت فيهم، وان السبب الاساسي لغلق مكاتبها المحلية، هو بسبب قيامها بتعرية الحكام الفاسدين بالوثائق والادلة الثبوتية غير القابلة للرد، وكشفها للفاسدين والمفسدين من المتاجرين بالدين والمذهب والوطنية والقومية، على مختلف مللهم، لذلك لجأوا الى اسلوب كم الافواه، ربما سنرى الكثير من تلك الاجراءات التعسفية في قادم الايام.ان الاحداث التي تجري على الساحة العراقية، تعرَي بعض الجهات التي كانت تدعي انها مع المطاليب العادلة للشعب، لكن عندما حان وقت قول الحقيقة ودق جرس الانذار بوجه الحكام، انحازوا الى معسكر الفاشلين والفاسدين، خوفا وهلعا من ان تتضرر مصالحهم وتكشف حقيقتهم، وتظهر مفاسدهم، وهناك آخرون يلوذون بالصمت ربما لجبنهم، اذ انهم ليسوا مناضلين ومجاهدين حقيقيين وانما هم ادعياء فقط.اليوم، الشعب وقواه الخيرة في الميدان والكتل الحاكمة بمجملها، في الميدان الاخر، عدا قسم كبير من الكتلة الصدرية  تقف مع الجماهير المطالبة باصرار للتغيير الحقيقي والجذري، ومرد ذلك يعود الى ان جماهير هذا التيار بمجملهم من ابناء الطبقات الكادحة والمسحوقة والمهمشة، كما يقف مع الجانب الاخر، كل من اسهم في ما نحن عليه من خراب ودمار وبطالة وفقر ودماء تسيل على يد الارهاب الداعشي الاسود وضياع اجزاء غالية من ارض الوطن، او اي ساكت عن قول الحق. نحن واثقون من ان النصر سيكون حليف الشعب الثائر مهما غلت التضحيات، ومهما تمادى الحكام في غيهم، وسينبلج الفجر الجديد على عراق الثوارت والانتفاضات والتضحيات، وسيخلق شباب العراق مع سائر بناته وابنائه، دولة العدالة الاجتماعية الحقيقية، الدولة المدنية المتحضرة على انقاض دولة المكونات، التي اثبتت فشلها وجرَت الويلات على الشعب المنكوب والوطن المنهوب، سيكنسهم الشعب حيث مزبلة التاريخ، وستلعنهم الاجيال القادمة على ما اقترفوه بحق الشعب العراقي، وسيلحقون بأسلافهم الحكام الطغاة المقبورين، ملعونين من الشعب والتاريخ.

أحدث المقالات