23 ديسمبر، 2024 10:12 ص

العراق …. ومواجهة التحدي الأكبر

العراق …. ومواجهة التحدي الأكبر

لا شك أن العراق واجه خلال السنوات الأخيرة تحديات كبيرة خاصة بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 منها ما هو دولي ومنها ما هو إقليمي إلى جانب التحديات الداخلية، ورغم ذلك استطاع العراقيون التماسك والثبات رغم كل الضغوط التي مورست عليهم وحافظوا على وحدتهم الوطنية ووحدة بلادهم، لكن التحدي الأكبر الذي يواجههم اليوم يكاد يكون الأخطر في تاريخ العراق الحديث، ألا وهو الحرب الطائفية التي يخطط لها أعداء العراق وأعداء المنطقة العربية بالتواطؤ مع رئيس الحكومة المنتهية ولايته ” نوري المالكي “، حرب ضروس ستأكل الأخضر واليابس ولن يستطيع أحد إخمادها، حرب سيدفع ثمنها العراقيون جميعاً نتيجة سياسة رعناء لشخص مُرتهن في أحضان الغرب والشرق مستعد لحرق العراق من شماله إلى جنوبه مقابل بقائه السلطة لولاية ثالثة.

والحقيقة أنَّ المتابع لتطورات المشهد العراقي لا يستغرب ذلك، فحزب الدعوة الإسلامية الذي يرأسه المالكي بدأ حكمه في العراق بحرب طائفية عامي 2006-2007 راح ضحيتها الآلاف من العراقيين الأبرياء وقوداً لتثبيت حكمه، لكن الوجود الضخم للقوات الأمريكية آنذاك استطاع إطفاء هذه الحرب الأهلية والتخفيف من حدتها. واليوم يحاول المالكي إعادة نفس السيناريو السابق للاستمرار في الحكم من خلال اللعب على المشاعر الطائفية والمذهبية ، ولكن هذه المرة لن تكون مثل سابقتها لأن التحشيد أكبر وتم زج المرجعية الدينية فيها بشكل مباشر دون أن تعي أنها وقعت في الفخ السياسي، كما لا توجد قوات عسكرية محايدة ممكن أن تفرض سيطرتها أو تعمل كقوات فصل في المناطق الساخنة، إلى جانب ذلك إصرار المالكي بشكل كبير على الحل العسكري منذ اللحظة الأولى حيث طالب الشيعة بالتطوع لمحاربة ما سماه بالإرهاب، ووعد بإعطاء المتطوعين السلاح والعتاد والأموال اللازمة لذلك، متجاهلاً كل المبادرات السياسية التي طرحت للخروج من الأزمة.

المنزلق الخطر :

إذا ما حللنا التطورات التي حدثت في العراق مؤخراً نجد أن مستواها التخطيطي والعملياتي والسياسي يفوق تفكير المالكي وقيادات قواته بكثير ، فهذا الرجل ولا حتى الطاقم المحيط به لم يسبق لهم العمل في المجال السياسي ولا يتمتعون بالحنكة الدبلوماسية اللازمة لإدارة الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الماضية والتي كانت نتيجة مباشرة لسوء إدارته والعاملين معه. لذلك لا بد أن يكون

هناك مخطط إقليمي لجر العراق والمنطقة إلى حرب طائفية المستهدف منها العراق وسوريا على حد سواء . واذا ما بحثنا عن المستفيد من هذه الحرب لا يظهر أمامنا إلا طهران بمشروعها القومي والجيوسياسي في المنطقة . فإيران تريد أن تفتح ثغرة وإيجاد طوق نجاة لحليفها في دمشق ” بشار الأسد ” من خلال فتح جبهة العراق التي ستخطف أنظار المجتمع الدولي بعيداً عن سوريا خاصة وأن التطورات في العراق تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية في العالم أجمع وهو ما شاهدنا خلال الأيام الماضية من ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق في أسواق العالم . إضافة إلى ذلك تحاول إيران توريط الولايات المتحدة مجدداً في العراق للضغط عليها مقابل الحصول على تسهيلات وأوراق ضغط في المفاوضات الجارية حالياً بين الطرفين حول برنامجها النووي، ولا ننسى الرسالة التي ترغب طهران بتوجيهها أيضاً إلى تركيا بعد محاولتها توسيع نفوذها في العراق كبديل عما خسرته في سوريا، وعملية اختطاف العاملين في القنصلية التركية في الموصل تحمل في طياتها الكثير من الأهداف والرسائل خاصة بعد التسريبات التي خرجت عن فشل زيارة الرئيس الإيراني ” حسن روحاني” إلى تركيا مؤخراً وعدم التوافق بين الجانبين على كثير من المسائل الخاصة بالمنطقة وعلى رأسها القضية السورية والنفوذ في العراق .

برأينا أن المالكي شخصياً هو من يتحمل المسؤولية عما يجري في العراق حالياً نتيجة السياسة الرعناء التي انتهجها خلال ولايته الثانية وانقلابه على أقرب حلفائه في العملية السياسية من السنة والشيعة على حد سواء، وما نستغربه حقيقة تخبط السيد مقتدى الصدر وانجراره وراء المالكي إلى الحرب بهذه السهولة رغم التوترات والخلافات التي بلغت أوجها بينهما خلال الفترة الأخيرة . لكن المالكي خسر الرهان على إدخال الأمريكيين إلى جانبه في هذه الحرب ، وسيقتصر التدخل الأمريكي فقط على عدد من المستشارين الأمنيين الذين سيقدمون المشورة الفنية دون التدخل بشكل مباشر في الحرب وهو الأمر الذي أكده الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما ” بشكل قطعي لا لبس فيه . كما خسر المالكي الرهان في توريط الأكراد إلى جانبه في هذه الحرب وهو ما أكده أيضاً رئيس إقليم كردستان ” مسعود البرزاني ” في رسالته التي وجهها للشعب العراقي بقوله أن على الجميع أن يعلم أن أوضاعاً جديدة حلت بالعراق بعد أحداث الموصل وباقي المحافظات الشمالية مؤخراً وينبغي التعامل معها بواقعية.

مؤكداً أن ” الأكراد لن ينزلقوا إلى حرب ضد طائفة تحت ستار الحرب على الإرهاب” وهو ما أشاد به تجمع العشائر في المحافظات المنتفضة ضد المالكي واعتبروه دعماً لمطالبهم ومواقفهم المشروعة.