للفيلسوف الفرنسي مونتسكيو رؤية مهمة، حول التجارة الدولية والعلاقات
التجارية بين الدول مفادها، ,, إن السعي للربح والمصالح التجارية تعمل
كلجام للحرب والسلطة السياسية التعسفية، كما إن التجارة تعالج الأحكام
المسبقة الهدامة.. وتهذب وتخفف الأعراف البربرية، وهكذا فالتجارة تقودنا
لتحقيق السلام كأحد أثارها الطبيعية،، ويبدو إن السيد عادل عبد المهدي،
بدأ يستثمر هذا المجال للإنفتاح على المحيط العربي والدولي، وهو المتأثر
بالثقافة الفرنسية، كون السوق العراقية من الأسواق الواعدة في الشرق
الأوسط، لما يضم من خزين إحتياطي كبير للنفط، ومعادن وفلزات كثيرة كالغاز
والكبريت والنحاس وحتى اليورانيوم والسليكون وثروات طبيعية أخرى،
بالإضافة فإن العراق وبسبب غياب قطاعي الصناعة والزراعة، يعتبر من أكبر
السواق الإستهلاكية.
إن لقاء السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي، بالسيد عبد الفتاح
السيسي رئيس مصر، أعلنا وإن لم يكن صراحة، عن بدأ مرحلة جديدة، لنشأة
تيار عربي معتدل، في جو جيوسياسي عربي وإقليمي ودولي، ملبد بغيوم التطرف
ومشحون بالنعرات الطائفية والقومية، سياسات عربية إعتقد واضعوها، إن
بمقدورهم مواجهة ريح التغيير الأتية من الغرب (المدعمة بالعولمة
والحداثة)، بأدوات متهارية ومستهلكة، متناسية عموم الدول العربية
وحكامها، إننا نملك أدوات كثيرة وفعالة، ليست على مستوى المحيط العربي،
بل حتى على مستوى السياسة الدولية، فالموقع الجيو أسترتيجي( الممرات
المائية، وتوسط العراق ومصر لثلاث قارات)، والثروات الإقتصادية الكبيرة
والمتنوعة، والأهم من كل ذلك الموارد البشرية الهائلة نوعا” وكما”، إلا
إن الذي حصل وضبت تلك الخيرات ليضرب العرب بعضهم البعض.
اليوم تنتظر العراق ومصر تحديات كبيرة، قد يكون أهمها أفة الإرهاب التي
تهدد العالم بأسره، ولأن البلدين يتوسطان موقع البؤرة الأرهابية
الإسترتيجية في قارتي أسيا وأفريقيا، يتحتم على قيادتي البلدين التباحث
والتشاور، من اجل إعداد الخطط والضربات الإستباقية، لإجهاض الخلايا
الإرهابية وعدم إعطاء الفرصة لتلك المجاميع، للمساس بأمن البلدين مصر
والعراق، وكان ذلك الأستحضار واضح، من خلال تواجد كبار القادة الأمنين في
إجتماع السيدين عبد المهدي والسيسي، خصوصا وإن العراق يعتبر بنك
المعلومات في محاربة المجاميع الإرهابية، بحكم إنتصاره في حربه المباشرة
مع داعش، وإنهاء ما يسمى بدولة الخلافة، ولإن الأرهاب عابر للحدود
الجغرافية، بحكم تقنيات النت ووجود مواقع التواصل الإجتماعي، يبقى التهدد
حاضر من خلال إستغلال الفكر المتطرف عبر تلك التقنيات.
إن ملفي الإقتصاد والطاقة، قد يكونا غاية التقارب العراقي المصري ولأسباب
كثيرة، فالعراق صاحب الثروات الطبيعية الهائلة، مع غياب قطاعي الصناعة
والزراعة، هذان القطاعان دمرا بشكل ممنهج، من خلال السياسات الأمريكية
المقصودة، وبسبب الفساد المالي والإداري للحكومات العراقية المتعاقبة،
يجعل من العراق سوقا” إقتصادية كبيرة، لجذب الإستثمارات الخارجية، خصوصا
إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار، العراق يعاني من نقص كبير في البنى التحتية
ووجود خمس محافظات تعاني من شبه الدمار الكامل جراء العمليات الإرهابية
والعسكرية بالحرب مع داعش، والسوق العراقية ظلت حكرا على للجانب الأمريكي
في موضوع السلاح، وكذلك سيطرة كل من أيران وتركيا والصين على باقي السوق
العراقية، وهذا الإحتكار أضعف خيارات الحكومة العراقية في موضوعة التفاوض
التجاري والإقتصادي، بل وأضعف القرار السياسي العراقي، من خلال التدخل
الأجنبي في الشأن العراقي.
نحن أمام مرحلة جديدة يأسس لها السيد عادل عبد المهدي، بتعشيق السياسة
والإقتصاد والإنفتاح على المحيط العربي والدولي يراد منه، تعدد المشارب
التجارية للعراق، فزيادة العرض تعطي أفضلية السعر والجودة للمفاوض
العراقي، لذا فالإنفتاح على مصر التي تملك صناعة لا بأس بها وفي مجالات
عدة كصناعة الموبيليات والملابس والأجهزة المنزلية وصناعت غذائية ومجالات
أخرى كلها تحمل جودة وسعر تنافسي كبير جدا” ، يعطي للعراق حرية التحرر من
سطوة دول ظلت مسيطرة على السوق العراقية، لذا فالتقارب مع مصر يؤسس
لعلاقات سياسية وإقتصادية عربية،من أجل أعادة موازين القوى ليكونا العراق
ومصر لاعبين أساسين، وفق معايير قانون الدول المنتصرة على الأرهاب
والتطرف ، فقد عادا وبقوة لتوضيب الإقتصاد والسياسة والأمن، لصناعة قرار
عربي متزن، يؤمن بقضية الحوار والتعايش السلمي وإحترام سيادة الدول،
ويبتعد عن الإنخراط بسياسة المحاور والتمحور، على الأقل في المنظور
القريب.