في خضم مرور (ستة عشر) عاما على خروج العراق من قبضة حزب البعث وإيدلوجيته القومجية الديكتاتورية،لازال العراق يئن من الصراعات الداخلية وعدم التماسك الاجتماعي فضلا عن الهشاشة في التركيب السياسي بين المكونات وعدم القدرة على رؤية الحلول الناجعة للخروج من عنق الزجاجة التي لم يخرج منها ابدا طوال فترة شهد فيها الكثير من التقلبات والفظائع والمجازر والكوارث السياسية.
فصدام بجبروته وغبائه السياسي لم يكن يمنح نفسه استراحة المحارب بعد كل معركة (دون كيخوتية) يخوضها، فما أن تنتهي من واحدة حتى يدخل الاخرى ،فمن الحرب الايرانية العراقية التي استنزفت العراق النفطي ماديا واقتصاديا في الشرق،الى عمليات الأنفال ومجزرة حلبجة والحرب الدموية ضد كردستان في الشمال،الى غزو الكويت وتدميره في الجنوب، فحالة الانتعاش والانتشاء وتننفس العراقيين الصعداء بعد سقوط صدام ونظامه في التاسع من نيسان لم تدم طويلا وانتهى قبل ان يبدأ ،رغم أن الحياة بدات في الدب في مفاصل الدولة سياسيا وأجتماعيا واقتصاديا وتدفق الدم في عروق قوى كانت الديكتاتورية قد حنقتها طوال الثلاثين عاما الماضية.
فصور القتلى والتفجيرات في الشوارع ظغت على صور توزيع الورود في بداية تحرير بغداد كنتيجة طبيعية لاشتداد الصراع والخلاف بين المكونات السنية والشيعية بتاثير القوى الأقليمية فالكعكة السياسية بدل ان يتقاسمها الفرقاء فجروها بوجه بعضعم البعض،فصب الزيت على النار من قبل الدول الاقليمية حولت احتفال النصر الى اقتتال طائفي دموي لم يسلم منه أحد، ودفع العراق ضريبته من دماء ابنائه وظهر الزرقاوي الذي مهد الطريق امام البغدادي والدولة الاسلامية المزعومة وعمت العمليات الانتحارية العاصمة بغداد التي كانت نقطعة الالتقاء بين الاطراف المتصارعة.
حتى الشريك والحليف الامريكي بدأ بالتململ ونفض يديه عن بحر الرمال العراقي بعد أن لم يدخر جهدا في مساعدة الطرف العراقي فالخسائر المادية الجسيمة نتيجة ضخ المليارات في جسم الدولة العراقية للظفر بدولة تمتلك مفاتيح القرار السياسي ذهبت ادراج الرياح ولم تشفع لهم ،بل الانكى من ذلك هي مطالبة الطرف العراقي بخروجه خاويي الوفاض.
ففي عز قوة الدولة الاسلامية في العراق والشام وسيطرتها على ثلث مساحة العراق لم يتوان الامريكين عن وضع كل امكاناته في خدمة هذه الحرب ولولاء تلك المساعدة لكان العراق في خبر كان ولكان ابو بكر البغداداي صاحب الكلمة العليا في العراق الأن.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الى متى يقبع العراق في هذه الدوامة وحالة عدم الاستقرار السياسي وساحة لتصفية حسابات القوى الأقليمية والدولية ومتى يلتفت الى حالة الفقر واليأس بين مواطنيه وحالة الفساد التي تضرب باطنابها كل مفاصل الحياة .
المشهد السياسي الحالي المتخبط لا يختلف عن سابقه فعادل عبد المهدي رئيس الوزاء المستقيل اسقط وسقط تحت ضربات الشارع العراقي المطالب بالأصلاح وهو لم يكمل عامه الأول في الحكم.
ففي فترته بلغ السيل الزبى وطفح الكيل وأضطر معه العراقيون للنزول الى الساحات والشوارع والتعامل الوحشي الذي قوبل به المتظاهرين، والاطاحة به جاءت بالرغم بصماته الواضحة في محاولة لملمة جراح العراقيين واصلاح الشرخ الحاصل بين المكونات بعد قلب صفحة داعش،فسلفه العبادي لم يتوانى عن ركوب الهمرات الامريكية وتوجيه اسلحة الجيش العراقي والحشد الشعبي الى صدور الكورد التي جريرتهم الوحيدة هي الأبتلاء بهذا العراق المتخم بالأزمات من اعلى رأسه الى اخمص قدميه في مشهد عاد بالذاكرة الكوردية الى نهاية التسعينات حينما كانت المدافع الصدامية تدك بيوت ومدن كردستان العراق.
فبعد فشل محمد توفيق علاوي في نيل ثقة البرلمان تم تكليف عدنان الزفي وفي الوقت الذي لم ينشف بعد حبر توكيله حتى لجأت الكتل المتنفذة الى طرح أسم جديد وهو مصطفى الكاظمي رئيس المخابرات العراقي كأسم توافقي جديد.
فالعراق يحتاج الى فترة نقاهة يحدد فيها اولياته وترتيب بيته وينأ بنفسه عن الصراعات الاقليمية التي لاقى منها الامرين ويلتفت الى ملايين البطون الفارغة والافواه الجائعة،والى مسار سياسي يضع نصب عينيه مصلحة العراق اولا واخيرا.