قليلة هي البلدان التي يتشعب فيها التعدد في المكونات ليشمل الدين والقوميه والمذهب كما هو الامر في العراق حيث يتداخل الدين اوالمذهب مع القوميه احيانا ليشكل كيانا مستقلا كما هو الحال مع الايزيديين والشبك وبعض المكونات المسيحية كالكلدان والاشوريين اتباع الكنيسه الشرقيه القديمه او النسطوريه اضافة الى الصابئه الذي استوطنوا جنوب العراق قبل
ظهور الاسلام بعدة قرون ولم يتبقى من لغتهم المندائيه وهي كما يصنفها المختصون لهجة من الأرامية الشرقية القديمة سوى ما تواجد في في كتبهم الدينيه فقط علما ان هذه اللغه اي الأرامية كانت هي اللغة السائدة في بلاد الشام والمناطق المحيطة قبل انتشار اللغة العربية بعد الفتوحات الاسلاميه، ويتزايد هذا التعدد او التشرذم احيانا حتى يصل الى داخل المكون الواحد متخذا نمطاعشائريا ومناطقيا وحتى طبقيا احيانا وبالرغم من قوة الرأي القائل بايجابية التنوع كأحد روافد الاثراء الثقافي للمجتمع لكن ذلك قد لا ينطبق دائما على الوضع العراقي لما يحمله هذا التعدد في طياته من رواسب وعقد تاريخية متوارثه فيها الكثير من عناصرالتصادم بين مكوناته وخاصة خلال فترات ضعف وانحسار الهويه الوطنيه.
ومع قيام الدولة العراقية في بداية العشرينات من القرن الماضي متشكلة من ثلاث ولايات هي بغداد والبصره والموصل تابعه للدوله العثمانيه انذاك والتي كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني حينذاك يشير لها في مراسلاته ببلاد ما بين النهرين او كما اصطلح عليه باللغة اليونانيه”ميزوبوتيميا” وهذه التسميه مرتبطة بحضارات وادي الرافدين الضاربة في عمق التاريخ، الا ان التركه التي خلفتها قرون عديده من التسلط العثماني على سكان هذه الولايات كانت كارثيه بما انطوت عليه من الغاء لكل ما يمت للانسانية بصله وأشاعة الجهل والتخلف في كل مناحي الحياة مما أدى بطبيعة الحال الى الاخلال بارتباطهم بالهوية الوطنيه للعراق، وفي ظل الضعف الذي أعترى الهوية الوطنيه وابتعاد بعض المكونات والفعاليات السياسيه عن المشاركة في ادارة السلطه ولاسباب مختلفة خلال معظم مراحل العهد الملكي الذي يعتبر حكما وطنيا رغم كل المؤاخذات التي تسجل عليه، فليس مستغربا ان تنتعش الهويات الثانويه وبضمنها الانتماءات العشائرية والمناطقية وخصوصا اثناء الاضطرابات الداخليه والتحديات الخارجيه التي كانت تسخر فيها تلك الفتره،
و فيما يبدو الخلاف السني الشيعي في بعض جزئياته فقهيا ولكن جوهره في الاساس سياسيا كما تجلى من خلال تبني جميع الدول الاسلامية التي قامت منذ الخلافة الراشديه من اموية وعباسية او عثمانية ما عدا استثناءات بسيطة للمذهب السني ووقوف الشيعة في صف المعارضة المسلحة احيانا وما ترتب على ذلك من تعرضهم للقمع والاضطهاد، وليس من المستبعد ان يترك هذا الوضع التاريخي المأزوم أثره على السلوك الجمعي لاتباع المكونيين فمن جانب هنالك حالة الادمان على التمسك بالسلطة واقصاء الأخر وما يستلزمه ذلك من اللجوء للعنف المفرط اذا تطلب الامر في مقابل ان شعورالشيعة المزمن بالمظلوميه ربما قد سهل انفتاحهم على الاخر وقبولهم بمبدا المشاركة في مسالة الحكم، وقد ظهرت حالة الصراع المستترة هذه الى العلن بعد ثورة 14 تموز 1958 بفترة قصيرة بتبلور تيارين رئيسيين ظاهرهما سياسي احدهما يؤمن بالهوية الوطنية الجامعه والمحتضنة لكل مكونات الطيف العراقي كبيرة كانت ام صغيرة واقامة دولة المواطنة العادلة وتياراخر قومي عروبي يتخذ من الوحدة او الاندماج بالمحيط العربي شعارا اثبتت المعطيات اللاحقه عقم هذا المشروع فكريا وترهل مؤسساته وعجزها عن فهم الواقع وقد يكون الدافع الرئيسي وراء هذا التوجه هو الرغبة الملحة لاتباعه للاستقواء بالاغلبيه.
وبعد انهيار النظام السابق وما صاحبه ذلك من تفكك في مؤسسات الدوله السياديه والامنيه ظهرت للافق حالة تخندق لمكوناته العديده خلف هويات فرعيه على حساب الهويه الوطنيه التي انحسرت بشكل واضح ورغم الاختلاف الجوهري في الظروف فقد شهدت مرحلة ما بعد سقوط حائط برلين حالة قريبة الشبه بالوضع العراقي من تفكك الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا السابقين الى كيانات كانت قائمه أصلا قبل الاندماج، ويبدو ان عوامل سياسية تاريخية وجغرافية ساهمت في تحديد الهوية الفرعية لكل من هذه المكوناتالعراقية، فمثلا بالنسبه للكرد كان الانتماء القومي هو دائما المحرك الرئيسي لهويتهم والذي تقدم على الهويه الوطنيه منذ تاسيس الدوله العراقيه وهذا الامر يمكن فهمه من منظور سياسي و تاريخي ذو علاقه بفشل تحقيق دولة موحدة تضم شتات الشعب الكردي منذ تفكك الدولة العثمانية، ولم يرقى العامل الديني او المذهبي عند الكرد الى المستوى التي يجعل منه هوية ثانويه اللهم الا فيما يخص الجوانب الطقوسية للفئه المتدينه منهم، اما بالنسبه للمكون للتركماني فالامر اختلف تماما لان الانتماء المذهبي لديهم يقف على قدم المساواة في اهميته مع ولائهم القومي وقد يتطلب ذلك بحثا معمقا من المختصين في هذا المجال.