يصنف مختصون العالم ودوله من حيث ما يعرف، بهندسة النظام العالمي والدول المتحكمة بالمشهد السياسي، إلى دول ماسكة وأخرى ممسوكة.. ومن الواضح أن الأول هو المتحكم بالثاني، كذلك هناك معسكرين لا ثالث لهما، الشرقي بمعية روسيا والصين، والغربي متمثلاً بأمريكا وبريطانيا، ولكلا الفريقين دول ممسوكة، لا إرادة لها سوى تنفيذ الأوامر.
هناك بعض الدول تكون متنازع عليها، لأن الممسوكين فيها منقسمون ما بين المعسكرين، وبالتالي فأنها لا تستقر أبداً، وكلما تقدم أحد قادتها بخطوة، أرجعهُ الآخر بخطوة أخرى، والمتضرر الوحيد كالعادة هو الشعب، ودائما ما تعاني هذه الأوطان من الهشيم الإجتماعي ومن نماذجها بلدنا العراق..
يعاني بلدنا من أنقسامات داخلية منذ نشأت التجربة الديمقراطية بعد ٢٠٠٣، ويعود ذلك لتنوعه الديني والقومي، حيث نجد أن الداخل متشضي لثلاث محاور، أولهم الكرد وحلمهم بالأستقلال، وصراعهم الدائم مع حكومة بغداد.. الثاني هم السنة وعدم تقبلهم فكرة فقدانهم الحكم، بل وحتى وجود شراكة شيعية معهم فيه، وأهم ما يميز هذين الطرفين أن الماسك لهما واحد، فهما قريبان جداً من المحور الغربي..
أما المكون الشيعي فمنقسم على نفسه إلى ثلاث أطراف، أحدهما “ولائي” للمعسكر الشرقي والأخر “وطني” قريب للمحور الغربي، وقلة قليلة ببن هذا وذاك تؤمن وتحلم بالدولة.. لذلك نجد ضبابية في صنع القرار السياسي والكل يتبع المثل الشعبي القائل ” يحوش النار لكرصته”.
الإنتخابات هي التي تفرز تقدم فريق على آخر، فتعتبر الدورات البرلمانية جولات نزال بين المتخاصمين، وكلما أشتد النزاع كلما كانت المخرجات أشد ضرراً على الشعب، وقد شاهدنا ذلك في تجربة ٢٠١٨، عندما سيطر المحور الشرقي على دفة الحكم، عندها أحرق الغرب عراقنا بالتظاهرات الملونة، ليدفع لإسقاط الحكومة والذهاب إلى جولة إنتخاب أخرى، أسفرت عن خلل واضح في توازن المقاعد، ليتفوق فيها ألقريبون من المعسكر الغربي بشكل كبير، ولتحدث أزمة على مستوى تشكيل الحكومة، فالطرف الفائز يريد إقصاء الجزء الأكبر من المكون الشيعي، لتستقر الساحة لهم وللقريبين من محورهم فقط، وهذا ما لا ترتضيه الأعراف والتوزانات الأقليمية والدولية، فسياسة كسر الذراع لن تنتج سوى الأقتتال الداخلي.
حاول الطرف الشيعي الفائز بتشكيل الحكومة، التوافق مع كل السنة والكرد وأقصاء الشيعة، لكن الإطار بثلثه المعطل أبطل جميع المحاولات، بسبب مسكه للطرف الضامن داخل قبة البرلمان، هذا سبب إزعاجاً كبير لزعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر”، وأعتكافه الأخير هو بسبب بوادر توافق بين حزبين اليكتي والبارتي، والإنقسام الحاد بين زعامات المكون السني، وكل هذا سيؤدي إلى إنكفائهم بإتجاه الإطار، لذلك أيقن إستحالة تمكنه من تشكيل الحكومة، الأمر الذي دفعه لسحب نوابه وربما كل ممثليه التنفيذيين في السلطة، ليحاول أن يستخدم ورقة الشارع بعد تشكيل غريمة للحكومة، ويسقطها في أقل من سنة، ويذهب إلى إنتخابات مبكرة، ليستحوذ فيها على مقاعد أكثر، ويحصل على السلطة بأريحية تامة.
هذا قد يكون ما تخطط له الكتلة الصدرية، لكنها تغافلت أن تربط الواقع العراقي، بما يحدث إقليمياً في الملف الإيراني والحرب الروسية الأوكرانية، فكلما تقدم المعسكر الشرقي في معركة أوكرانيا، وتقدم الإيرانيون في الملف النووي، فهذا سيؤدي إلى زيادة قوتهم في الملف العراقي، ليقطعوا الطريق أمام مخطط إقصاء الشيعة من الحكم، وما سيحدث في العام المقبل، هو عودة التوازنات البرلمانية، لكن الطرف الغربي سينتصر بأنه أطال المعركة وغير طبيعة المجتمع، وهذا هدف مهم وأستراتيجي ولا يجب أن نستخف به..