22 نوفمبر، 2024 11:53 م
Search
Close this search box.

العراق.. وحلم نهاية عصر الشيعة الجديد

العراق.. وحلم نهاية عصر الشيعة الجديد

أكدت أحداث السنوات الأربع الماضية ( تشرين الأول 2019 وحتى آذار 2022)، والتي بدأت بالتظاهرات الاحتجاجية، ولاتزال تتفاعل عبر مساعي تشكيل الحكومة القادمة؛ بأن ما جرى في العراق أكبر بكثير من موضوعات مدخلية جانبية، كإسقاط الحكومة أو اجراء انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة جديدة أو اصلاح قوانين الانتخابات والمفوضية وغيرها، وأكبر من التظاهرات ومن شعارات القضاء على الفساد والفشل، بل هي كما قالت المرجعية النجفية في خطبة الجمعة 29 / 11 / 2019 ((إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة)).
وهو ما ظهر بجلاء من نوعية التدخل والتحريض السياسي والمخابراتي من الأنظمة الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والإماراتية، ووسائل إعلامها وجيوشها الإلكترونية، وكذا حراك البعث والجماعات الطائفية العراقية والعربية، ونوعية خطابها الإنقلابي القتالي، إضافة الى الاعتداءات العسكرية للقوات الأمريكية والإسرائيلية على القوات العراقية. فالهدف ــ إذاً كما كشفت المرجعية الدينية ــ هو إعادة العراق الى عصر الدكتاتورية الطائفية والمشروع الأصلي للاحتلال الأمريكي. وعليه؛ فإن الأهداف الحقيقية للقوى المحلية والإقليمية والدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات، وحزب البعث والجماعات الطائفية، من وراء ماجرى في العراق، تتمثل في أربعة أهداف أساسية تكمل بعضها:
1- الهدف الأول؛ يتمثل في إقصاء القوى المحلية والإقليمية الشيعية النافذة في الواقع العراقي، وهي:
أ- القوى والشخصيات الشيعية المحلية، وتحديداً الحشد الشعبي وفصائله، حزب الدعوة الإسلامية ونوري المالكي، المجلس الأعلى الإسلامي، منظمة بدر وهادي العامري، كتائب حزب الله، السيد عمار الحكيم، عصائب أهل الحق والشيخ قيس الخزعلي.
ب- القوى الإقليمية الشيعية النافذة في الواقع العراقي، وتحديداً إيران.
أما مرجعية الإمام السيستاني ومحور الوعي في النجف، وكذا السيد مقتدى الصدر؛ فإقصاؤهم مطلوب أيضاً، ولكن في مرحلة لاحقة، أي بعد إقصاء القوى والشخصيات الشيعية المحلية وحليفتهم إيران، وبذلك يمكن الاستفراد بمحور الوعي في النجف وبالسيد مقتدى بسهولة، وهو ما يذكِّر بالدروس القاسية لأحداث الفترة 1918 ـــ 1924، وكذا الفترة 1967 ــ 1970، ففي الأولى كان الشيعة في بدايتها في ذروة قوتهم، لكنهم انتهوا الى الانهيار التدريجي، لعوامل داخلية تتعلق بالخلافات وفشل الإدارة والتخطيط وضياع الرؤية، وعوامل خارجية تتمثل في تآمر الاحتلال الانجليزي وسياسات الحكومات والأحزاب الطائفية السنية المهيمنة على السلطة. ثم انتهت هذه الفترة المظلمة الى الاستفراد بالمرجعية الشيعية، وتسفير المراجع الأربعة والتنكيل بالآخرين، وكذا تسفير كبار النخب الشيعية العشائرية والثقافية، ما أدى الى عودة الشيعة الى وضع شبيه بعصر الدولة العثمانية العنصرية الطائفية، برغم كل ما قدموه من تضحيات من أجل العراق واستقلاله.
أما الفترة الثانية؛ فكان الشيعة في بدايتها في ذروة قوتهم أيضاً، لكنهم لم يستثمروا هذه القوة، ما سمح لحزب البعث الانقضاض على السلطة؛ الأمر الذي أدى بالشيعة الى انهيار أكبر من انهيارهم في الفترة الأولى، لأن حزب البعث القومي الطائفي كان أقسى بكثير من الحكم الانجليزي ـــ الملكي الطائفي.
ومن هنا؛ فإن تحقيق الهدف الأول سيؤدي الى القضاء على جميع عناصر القوة القائمة أو المحتملة في الواقع السياسي الشيعي، ومحاولة إعادته الى عشرينات أو سبعينات القرن الماضي.
2- الهدف الثاني؛ يتمثل في صناعة رمزيات ومرجعيات وأحزاب جديدة في الواقع الشيعي، وذلك عبر النفخ الإعلامي والضخ المالي في علماء دين يفضلون العزلة أو شخصيات شيعية هامشية من طبقة رجال الدين والخطباء والأكاديميين والاعلاميين والسياسيين العلمانيين، وصولاً الى تأسيس أحزاب وكتل جديدة من خلالهم، أو دعم الضعيفة الموجودة، لتكون رمزيات دينية وسياسية وقوى مصطنعة جديدة، بديلة للرمزيات والشخصيات الشيعية الدينية والسياسية التي يراد إقصاؤها. ويمكن هنا ملاحظة الأسماء التي ظل الإعلام الطائفي العراقي والعربي يركز عليها منذ خلال فترة الاحتجاجات وحتى الآن، وسرعة استبدالها بأسماء أخرى بعد فشلها.
3- الهدف الثالث؛ يتلخص في المحافظة على نفوذ القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تنسجم مع العراق البديل، والذي سبق أن حددت المرجعية العليا ملامحه في خطبة الجمعة 29 / 11 / 2019. وتنقسم هذه القوى الى ثلاثة محاور:
القوى العراقية المشاركة في الحكم، ولاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، جماعة محمد الحلبوسي وجماعة خميس الخنجر.
القوى الإقليمية والدولية الخمس: السعودية، الإمارات، تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
القوى العراقية المعارضة للحكم منذ العام ٢٠٠٣، وهي حزب البعث، الجماعات المسلحة السنية ورجال الدين الشيعة المناوئين لمرجعيتي النجف وإيران.
4- الهدف الرابع، وهو العودة الى المشروع الأمريكي الأصلي في العراق، والذي جاء به الإحتلال الأمريكي في العام ٢٠٠٣، وهو الهدف النهائي، ويتلخص بتأسيس دولة عراقية، تستند الى خمس قواعد:
دولة عراقية كونفدرالية، تتكون من مجموعة أقاليم قومية وطائفية ومناطقية شبه مستقلة متناحرة متنافسة، من أجل سهولة السيطرة عليها.
دستور عراقي علماني، ونظام سياسي برلماني توافقي مفكك.
حكومة علمانية محصصاتية ضعيفة، تتألف من الأحزاب الكردية والسنية الحالية، وأحزاب شيعية علمانية جديدة مرتبطة بواشنطن، مع إضافة حزب البعث والجماعات الطائفية التكفيرية إليها، بأسماء وتوصيفات جديدة.
دولة عراقية مرتهنة الى القرار الأمريكي، وتكون الضلع الثالث للمثلث العراقي ــ السعودي ــ الإسرائيلي المأمول.
دولة عراقية تكون إحدى ركائز المشروع الأمريكي الشرق أوسطي، وتناط بها الأدوار التنفيذية الستة التالية:
أولاً: تكون أداةً لخلق اجتماع سياسي وثقافي متحلل، معاد للدين واستهلاكي، ويكون النموذج الذي تمتد مظاهره الى بلدان المنطقة الأخرى.
ثانياً: أداة لتنفيذ ستراتيجية الحيلولة دون عودة الروح والقوة الى الحاضنة الإجتماعية الإسلامية الشيعية في العراق.
ثالثاً: منطلقاً للغزو الأمريكي لإيران، إعلامياً وعسكرياً، وخنقها اقتصادياً وثقافياً.
رابعاً: منطلقاً لنشر المزيد من الفوضى في غرب آسيا، ولا سيما في تركيا وسوريا، والاستمرار في تهديد أنظمتها.
خامساً: تنفيذ صفقة القرن الأمريكية ــ الإسرائيلية ــ السعودية ــ الأردنية، والقاضية بإنهاء القضية الفلسطينية بالكامل، وإسكان جزء مهم من الفلسطينيين في العراق، وتحديداً في المحافظات الغربية.
سادساً: التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وبالتالي؛ فإن ما يجري منذ أربعة أعوام تقريباً هو مشروع انقلابي عميق شامل، تقوده واشنطن، وتنفذه بمساعدة الحكومات البريطانية والسعودية والإسرائيلية والإماراتية والتركية. ولكن؛ رغم تحقيق هذا المشروع إنجازات نسبية؛ فإنه لايزال وسيظل، يعاني من ارتدادات قوية فاعلة، تعيق حركته وتقدمه. أما كيف كان وسيكون رد الفعل النجفي والعراقي والشيعي، الذي تمثّله تلك الارتدادت الكبيرة القوية؛ فهو موضوع مقال قادم.

أحدث المقالات