27 ديسمبر، 2024 11:33 م

العراق..وحكاية من الهند!

العراق..وحكاية من الهند!

في الهند ذلك البلد الذي تحطّ فيه رحالي بين الحين والآخر حدثت أزمة كبيرة بين الحكومة والمزارعين عندما أقرّت الدولة قانوناً يُجيز للشركات الإستثمارية إستملاك الأراضي الزراعية وإستحصال محاصيلها والإستحواذ عليها وتصديرها إلى الأسواق، فكان هذا القرار يعني الإستئثار بالمنتجات الزراعية والإستغناء عن أيادي الملايين من المُزارعين الهنود وإجبارهم لترك أراضيهم ومزارعهم، مما يكون سبباً في مزيد من نسب البطالة والجوع والتشرد.علماً أن الهند تأتي في المرتبة الثانية عالمياً في مجال الإنتاج الزراعي حيث وفّرت الزراعة فرص عمل لأكثر من 50% من القوة العاملة الهندية وساهمت بنسبة 17-18% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، متحققة في الإكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والإعتماد على المنتوج المحلي.

إنتفض المزارعون لهذا القرار الحكومي، بل ورفضوه معتبرين ذلك عنواناً لبداية حرب قطع الأرزاق وتجويع هذه الشريحة المهمة في المجتمع الهندي، لكن الحكومة لم تأبه لهذا الرفض، ثم بعد ذلك إنضم الإعلام الوطني الشريف (وليس الإعلام المنافق الرخيص) إلى هذه الحملة المناهضة لهذا القرار، لكن موقف السلطة الرابعة لم يُغيّر من قرار الحكومة.

أخيراً وبعد أن شعر هؤلاء الرافضون أنهم خسروا كل شيء وإن القرار ماضٍ إلى التطبيق، قررت مجموعات منهم الإنتحار..نعم..لقد قرروا الإنتحار لإيصال رسالتهم إلى من بهم صمم من رموز السلطة الذين أقرّوا هذا القرار، حيث وصلت حالات الإنتحار إلى العشرات منهم في خطوة فاجأت الحكومة وجعلتها تتراجع عن قرارها، عندها لم تقف الدعوات عند تراجع الحكومة بل وصلت إلى مقاضاتها عن الأضرار المادية والمعنوية التي سببتها بحق هؤلاء.

في حكايتي هذه لا أدعوا إلى الإنتحار لإيصال الأصوات إلى أصحاب القرار عمّا يُعانيه الشعب العراقي فيكفي مانسمعه من حالات إنتحار وقتل بين صفوف العراقيين في أحدث وأغرب حالات وحكايات لم تحدث حتى في قصص ألف ليلة وليلة أو في المسلسلات العربية والأجنبية، ورغم ذلك لازال الحاكم المتسلّط مُوغلاً في التعنّت والتجويع وإذلال الشعب.

ورغم تنوع عناوين الجلادين ومسميات الطغاة ظل الشعب أسيراً لإستسلامه وخضوعه وفي كثير من الأحيان إنهزامه أمام إرادات داخلية وخارجية لتجويعه وتركيعه تماماً كما تحدّث عنهم القرآن الكريم بقوله “كأنّمَا يُسَاقُونَ إلى المَوتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ”.

وكم من المحاولات الخجولة التي كانت تنطلق بين الحين والآخر لرفض هذا الواقع، لكن تلك المبادرات كانت تقف عاجزة أمام عموم الرأي السائد في البلد بكلمة (آني شعليّة) عندها أدرك من يحكم أو المتسلط أن التغيير لن يصنعه هؤلاء القانتون أو المستسلمون لواقعهم لذلك تمادى الحُكّام في الغيّ والإستبداد والسرقة واللصوصية حين أيقنوا أن الإستسلام للأمر الواقع هو ديدن إتخذته الغالبية للتعايش مع الأزمنة الصعبة التي كانت تهُبْ رياحها في كل مرحلة سياسية على هذا البلد.

حكاية المُزارع الهندي تؤكد أن إرادة الشعوب تفوز وتُعلن إنتصارها حين يكون الإصرار على الهدف والثبات في تحقيق المبدأ وليتنا نُدرك مقولة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونتمعن في حديثه ونجعله يقيناً في الحياة حين قال (عندما سكت أهل الحق عن الباطل، ظن أهل الباطل أنهم على حق) فعلاً حين سكتنا عن الحق تمادى أهل الباطل فظنوا أنهم على حق فأجرموا وسرقوا…هي حكمة ستجدونها في كل تجاربنا وأيامنا وأزماننا التي نعيشها…حقاً لقد صدقت ياعلي.