يلفّ الغموض العلاقات العراقيّة الأمريكيّة وبالذات ما يتعلّق منها بالقرارات التي أقرّها البيت الأبيض،والمرتبطة بالعراق، بعد العام 2003.
وهنالك جملة من القرارات الأمريكيّة الخفيّة أو الغامضة والبعيدة عن الأضواء المتعلّقة بالعراق، ومنها قرار “حالة الطوارئ الوطنيّة الأمريكيّة“!
ولو سألت الكثير من المتابعين للشأن العراقيّ عن هذا القرار فأظنّ أنّ الإجابة ستكون صادمة، وبأنّهم لا يعرفون ما هي هذه “الحالة الطارئة“!
ووقّع الرئيس الأميركيّ، جو بايدن، يوم 20/5/2024، مرسوما يُمدّد بموجبه حالة الطوارئ الوطنيّة لعام آخر.
وصدر القرار (13303) الخاصّ بالعراق في العام 2003 خلال عهد الرئيس الأميركيّ الأسبق جورج بوش الابن، ويقضي بحظر تصدير بعض السلع الخاصّة بمؤسّسات العراق، ومعاقبة شخصيّات وكيانات عراقيّة!
وبرّر الرئيس بايدن قراره في رسالة وجهها الى الكونغرس الأمريكيّ بأنّ “العوائق التي تعترض إعادة الإعمار المنظّم للعراق، واستعادة السلام والأمن والحفاظ عليهما،لا تزال تشكّل تهديدا غير اعتيادي للأمن القوميّ،والسياسة الخارجيّة للعراق وللولايات المتّحدة”.
ويبدو أنّ واشنطن لا تتأثّر بدعايات الجيوش الإلكترونيّة الناشرة لأخبار الاستقرار العامّ في العراق، ومحاولة بعض الكيانات السياسيّة والإعلاميّة تصوير المشهد العامّ بأنّه آمن ومستقرّ، وهذا دليل أنّ واشنطن تراقب الأوضاع بدقّة، وهي تنظر وتدرس أفعال الحكومة وليس أقوالها.
والسلطات التي يمنحها هذا القرار سوط يمكن أن تستخدمه واشنطن بأيّ وقت ترى فيه أيّ تهديد لمصالحها في العراق والمنطقة!
واليوم حينما يُباع النفط العراقيّ فإنّ أمواله لا تُرسل لبغداد، ولكنّها تحوّل إلى بنك في نيويورك، ومنه للبنك المركزيّ العراقيّ، وبالتالي نحن أمام تحكمّ بالأموال العراقيّة في البنك الفيدراليّ الأمريكيّ، ولا يمكن أنفاقها إلا بقبول أمريكيّ أوّلي!
والقرار وصاية أمريكيّة على بغداد، وأنّ العراق، وإن خَرَج من البند السابع، إلا أنّه مكبّل الآن بحالة الطوارئ الأمريكيّة!
وبهذا القرار ستستمرّ الوصاية الأمريكيّة على أموال العراق، وكذلك منع مصادرتها نتيجة شكاوى كسبتها شركات تضرّرت بعد غزو العراق للكويت!
والقرار رسالة أمريكيّة صريحة تؤكّد أنّ الوضع العراقيّ العامّ مُتأزم، وأنّ واشنطن لديها ملاحظات كبيرة تتعلّق بعموم الحالة العراقيّة!
وقد تكون الملفّات المتعلّقة بانتشار الجماعات المسلّحة، وتنامي الاغتيالات، وعدم حصر السلاح بيد الدولة، وتعدّد مصادر القرار، والتصادم الحادّ بين غالبيّة الكيانات السياسيّة حتّى تحت قبّة البرلمان، من أهم دوافع الإصرار الأمريكيّ على استمرار حالة الطوارئ الوطنيّة!
والغريب أنّ القرار الأمريكيّ جاء بعد ساعات من دعوة العراق للأمم المتّحدة بإنهاء بعثة مساعدة العراق الدوليّة (يونامي)!
والقرار، أيضاً، يُعدّ مأزقا جديدا أمام حكومة محمد شياع السوداني، التي لم يصدر منها أيّ موقف رسميّ حتّى الآن!
وتأكّيدا لعوائق إعادة إعمار العراق قالت السفيرة الألمانيّة ببغداد “كريستيانا هومان“ يوم 18 أيار/ مايو 2024، إنّ المستثمرين الألمان يتعرّضون لمساومات من جهات تطلب منهم “إتاوات ورشاوى“!
وبعدها بيوم واحد عُثِر على قائد حراسات شركة (CRG) للخدمات الأمنيّة مشنوقاً داخل شركة “بريتيش بتروليوم“ في حقل الرميلة بالبصرة!
وخلال الساعات الماضية استُهْدِفت، بعبوات ناسفة، بعض المراكز التعليميّة ومقار الشركات الأمريكيّة والبريطانيّة ببغداد!
وكذلك أظهر مؤشّر الجريمة المنظّمة العالميّ، في الربع الأوّل من العام 2024، ارتفاع تصنيف العراق خلال العام 2023 مقارنة بالعام 2021، حيث جاء في المرتبة الثامنة عالميّا!
وهذا يعني أنّ البيئة الاستثماريّة ليست آمنة، وذلك على خلاف دعايات حكومة بغداد التي تقول إنّها تعمل لبناء أرضيّة صالحة للاستثمار، والحقيقة هنالك تمدّد للجماعات المسلّحة، وغياب دولة المواطنة وهذه عوامل هادمة للدولة، وطاردة للمستثّمر الأجنبيّ!
ولا يمكن كذلك تغافل دعوة مقتدى الصدر يوم 28/5/2024 لغلق السفارة الأمريكية، وطرد سفيرة واشنطن من العراق ممّا يفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات عديدة منها أزمات دبلوماسيّة داخليّة وخارجيّة، وربّما، مواجهات أمنيّة لا تُعْرف نهاياتها، وبالذات بعد ردّ الخارجيّة الأمريكيّة بعد ساعات بأنّهم: “ملتزمون بالعمل مع الحكومة العراقيّة“!
وأيضا يُجهض القرار احتماليّة انسحاب قوّات التحالف الدوليّ بقيادة واشنطن من العراق، لأنّها (واشنطن) لو كانت تعترف بالحوار الثنائيّ مع بغداد لما أقْدَمت على هذه الخطوة التي تؤكّد هشاشة التوازن الدبلوماسيّ بين الطرفين!
والسؤال هنا: ما الذي أثمرت عنه العقوبات الأمريكيّة السابقة لشخصيّات وكيانات عراقيّة، ومنهم اليوم جزء مهمّ وفاعل في العمليّة السياسيّة، وهم يَسْرحون ويَمْرحون بحرّيّة تامّة؟
ثمّ مَن الشخصيّات والكيانات السياسيّة التي من الممكن أن يُعاقبها القرار الأمريكيّ، وهل هنالك وجبة مرتقبة من الشخصيّات التي ستدخل القائمة السوداء الأمريكيّة؟
وأخيرا يؤكّد القرار التحكّم الأمريكيّ، العمليّ والمباشر، في الشؤون العراقيّة بعد 21 عاما من الاحتلال، وهذا دليل على قناعة واشنطن بأنّ حكومات العراق عاجزة عن إدارة البلاد بسلاسة!
السيادة تعني التحكّم بالقرار الوطنيّ لا أنّ تُدار البلاد من البيت الأبيض وغيره، ولهذا ينبغي أن يكون الكلام واقعيّا، ونعترف بأنّ العراق غير مُكْتَمِل السيادة، وأنّواشنطن مستمرّة باحتلالها للعراق ولو بشكل غير ظاهر في الشوارع والبلدات!
فأين السيادة العراقيّة، وما مصيرها؟
dr_jasemj67@