تثار الكثير من علامات الاستفهام حول المصير الذي ينتظره العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية، حيث يتسابق مسؤولون الى اعلان خشيتهم من مستقبل المشهد السياسي والأمني في البلاد، لا بل يذهبون حد المطالبة بحصانة دولية، وكأنهم يعرفون المصير،الذي ينتظر الأجندات المظلمة، والتي حولت العراق الى وسيلة ايضاح ، كل طرف يحدد نسب خلط وتركيب عناصرها، وفق ما يناسبه من تفاصيل الأجندات الخارجية.
ويبدو ان هذا الهدف هو من يقف وراء اعادة تصعيد الانغلاق العرقي والطائفي، بحيث بات الحديث عن عراقية التوجهات مغيبا بشكل خطير للغاية، فكل فريق يريد المزيد من الهيام ” بعشيقته الطائفية والعرقية”، حتى بات الحديث عن وحدة العراق أشبه بتهمة يعاقب عليها قانون الولاءات خارج أرض العراق، رغم أن هذا لن يكون في يوم من الأيام خيار غالبية أبناء الوطن، الذين ” يطبخون الحصى” من أجل أن يبقى العراق عزيزا.
ولاندري كيف سيفسر بعض السياسيين مواقفهم، ولماذا يلجأون بمناسبة أو بدونها الى اسلوب ” الشقاوات ” لحل خلافاتهم، التي هي في أغلب الأحيان تنطلق من عقد شخصية ، حيث أن الطائفة في هذه القضية أشبه بشماعة الفشل، فاغلبهم من نفس الطائفة، لكنهم يرموها جانبا ، حتى يحين وقت حلبها من جديد، والغريب أنهم لا يخجلون من هذه الفضيحة، التي باتت مكشوفة للقاصي والداني، وهنا للتاريخ أقول لقد سمعت من أغلبهم كلاما يدعو الى الهذيان، يؤكد صعوبة المراهنة عليهم، حيث يلعن أحدهم الأخر في السر ويتعانقون أمام الملأ.
وما يزيد الطين بلة ان أغلب سياسيي العراق ركبوا “المهنة” سهوا، لذلك يخلطون الأوراق بمناسبة وبدونها ويفضحون هذا وذاك وهم على نفس الطاولة ، لا بل أنهم بانتظار نفس التهمة أما 4 ارهاب أو الفساد الاداري والرشوات، التي باتت من موجبات ” الوجاهة ” لدى أغلبهم، ممن يتحفونا بخطب نارية ومواقف ثورية حامية الوطيس، وهم في حقيقة الأمر يحاولون رفع التهمة عنهم أو عن المقربين من خطهم الأول.
نحن في العراق ينطبق علينا المثل الشعبي القائل ” لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي”، فلا نحن فعلا تحولنا الى دولة مؤسسات تعتمد الكفاءة والولاء الوطني، ولا أضحت ارضنا وسماءنا ضمن سيادة وطنية لا يتنازعها أي فريق أجنبي، مثلما لم نخرج من عنق زجاجة الاتهام والتخوين وصناعة الرموز ، التي عفى عليها الزمن، خاصة وان العراق لازال تحت طائلة البند السابع، وجيرانه لا يمكن توصيفهم، فهم اقرب الى الأعداء من الأصدقاء، وأجنداتهم المؤذية يطول سردها، لأنها مفصلة على مقاس واحد وهو تقزيم العراق، خسئت جهود أصحابها.
وضمن واقع لا يدعو الى التفاؤل، فانه لا خيار أنفع من العودة الى عراقيتنا بصدق، بوصفها السبيل الوحيد لكشف بؤر التوتر والخيانات ومجاملات ما خف وزنه وغلا ثمنه، بعد ان بات ترف المسؤول من أساسيات فوزه بالمنصب حتى لو دفع ثمنه بالتقسيط، خاصة وأن العقود ” الدسمة” ، وسياسية غطيني وأغطيك تبيح المحظورات”، فالجميع في الهوى سوى، أما المواطن فعليه أن يمل من الانتظار طالما أن أحدا لا يفكر به قبيل موعد الانتخابات أو المضاربات السياسية في مفهمومها الطائفي والعرقي.
ولا ندري لماذا يصم المسؤولون آذانهم ويرفضون سماع آنين شعبهم، المطالب بالحرية والانفتاح وطي صفحة الماضي، بحيث يكون صدر الدولة قادرا على محي أخطاء الأمس طالما أنها لم تزهق دما عراقيا، وأن تتوجه الأنظار صوب بناء العراق على قاعدة جديدة، لا تفضل احدا على الأخر الا بمقدار الولاء للوطن، وهو أمر لا نعرف لماذا لم يجتهد المسؤولون في التعرف عليه والاستفادة منه خلال زياراتهم الخارجية الكثيرة، وأن يطبقوه بجدية في بلدهم بدلا من التباكي على الأطلال وحشد المزاج العراقي بطروحات لا تغني عن جوع، هي بالحقيقة مجرد بالونات أختبار لنوايا هذا أو ذاك وكأننا في معركية محلية وليس شركاء في حكم، وهي أم المصائب في العراق، الذي ينتظره مجهولا حقيقيا بسبب أجندات سياسييه!!
* رئيس تحرير ” الفرات اليوم”