18 ديسمبر، 2024 5:06 م

العراق..والعودة لعهود الإنقلاب!!

العراق..والعودة لعهود الإنقلاب!!

الإنقلابات هي السمة الغالبة على حياة العراقيين منذ أن بزغ فجر البشرية ، ويجد فيها الكثير من ساسة العراق ومن دخلوا عالمها الان ، أنها الطريقة المثلى للهيمنة على مقدرات البشر بما يتفق مع رغباتهم ، من خلال تجميع وتحريك قوى الجهل والتخلف لتكون هي المسيطرة على الشارع، وهي من تنفذ إرادة الحاكمين في قيادة القطيع!!

كان أول انقلاب قام بها العراقيون هو انقلابهم على النبي إبراهيم (ع) يوم لم يؤمنوا بدعوته الى التوحيد، وان تخضع ارادة البشر لارادة الخالق سبحانه وتعالى..لكن العراقيين ميالون في طبعم الى مخالفة حتى الأنبياء ، على طريقة خالف تعرف، وارادوا ان يلقوا النبي إيراهيم في النار ، لكن الله أنجاه من تلك النار ، وقال جلت قدرته ” يانار كوني على إيراهيم بردا وسلاما” !!

كان النبي ابراهيم قد تلقفت قلبه الحسرات وهو يرى العراقيين يناصبونه العداء ، حتى راح يدعو الله سبحانه وتعالى ان ينزل غضبه عليهم، لكن الله سبحانه قال لابراهيم لاتدعو على أهل العراق ، فقد أودعت فيهم خزائن علمي فيهم واسكنت في قلوبهم الرحمة!!

وقد أشار الخطيب البغدادي في كتابه “تاريخ بغداد” إلى حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (أن أبي إبراهيم عليه السلام هَم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تفعل فإني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم).

وقد بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا عليه، فلما طال ذلك عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث..فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب، الذي كان قد اتصل بهم بسببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم.

ولهذا قال تعالى (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) أي: لما وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك بل كما قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) . وقوله سبحانه وتعالى (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) أي: آمنوا بكمالهم.

وفي عهد الامام علي (ع) وعند قدومه ارض العراق ظهرت جماعة تناصبه العداء ، بل انه حتى نجله الحسين (ع) راح ضحية غدر من بعض العراقيين الذين ما ان دعوه ليكون هو واليهم على العراق، حتى راحوا يحاربونه في الطريق، وقد إستشهد هو وعائلته والمقربين منه في العاشر من محرم الحرام ، في المواجهة المعروفة، وواجه ما واجه من الويلات من أهل العراق!!

وفي العهود الاخيرة، وابتداء من العهد الملكي وحتى العهد الجمهوري، إستفحلت ظاهرة الانقلابات في العراق، وكانت هي الحالة السائدة التي عاش العراقيون أيامها ، ولم يهنأوا بلياليها على مر فترات تاريخهم ، بعد ان طغى ساستهم، وراحوا ينصبون مشانق الاعدام ويلقون بالسجون كل من يقف بوجههم او حتى يبدي معارضة ولو بسيطة أزاءهم!!

وبعد الاحتلال الامريكي واقامته للعملية السياسية المريضة، عام 2003 ، فقد كانت الولايات المتحدة واسرائيل تسعيان الى اقامة ديمقراطية هزيلة ، وحاولت ايقاف حالة الانقلابات وتكريس هيمنة طائفة على طوائف أخرى لتمزيق البلد واضعافه ، تحت شعار ” حكم الأغلبية”، وهو ما حصل!!

وطوال خمس حكومات مضت من عام 2005 وحت عام 2021 ورائحة الانقلابات ما تزال تفوح ويهدد بها البعض ، عندما يحاول الاخرون ايقاف إستبداد هذا الحاكم او ذلك على عباد الله، حتى على ملته، ويريد ان يستبيح الحرث والنسل!!

وبعد الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من تشرين الاول 2021 وظهور نتائجها المخيبة لامال كثير من الطبقة الحاكمة ، وجدت زعامات قوى سياسية انها لم يكن هناك طريق امامها سوى اللجواء الى خيار ” الانقلاب”!!

أجل ، وحتى لو أقيمت حكومة بعد أيام وتوافقت عليها الكتل السياسية الفائزة ، فإن خيار ” الانقلاب” لدى الخاسرين يبقى قائما في أية لحظة، وهم ربما يريدون استعادة تجميع قواهم وانتظار اللحظة الحاسمة للانقضاض على السلطة وإسقاطها والاتيان بحكومة موالية لكبار الساسة ممن يرتبطون بإيران، التي شعرت انها تعرضت لخسارة فادحة ، وهي التي كانت تراهن بأن جماعتها ستكون لهم اليد الطولى، لكن إرادة الأقدار شاءت ان تقلب المعادلة الى خسارة فادحة!!

ويبقى خيار ” الانقلاب” هو اللغة الوحيدة التي يحسن ساسة العراق اللجوء اليها، كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم ، لكي يعيدوا عهد غطرستهم ودكتاتوريتهم لتفعل فعلها مرة أخرى، وليعيدوا العراق الى عهود الدكتاتورية وامتهان الكرامات، وهو ما يخطط له الساسة الخاسرون، لكنهم ينتظرون الفرصة الملائمة لتحقيق هذا الهدف في وقت لن يكون بعيدا من وجهة نظرهم!!