18 ديسمبر، 2024 8:41 م

العراق والسعودية وتغيير أدوات اللعبة

العراق والسعودية وتغيير أدوات اللعبة

في كتاب ( مدخل إلى الإسترتيجية العسكرية) للجنرال الفرنسي (أندريه بوفر)

“إن الإستراتيجية هي ليست عقيدة واحدة جامدة ولكنها أسلوب في التفكير

يسمح بدراسة الأحداث وتغيراتها ليتم إختيار الوسائل الفعالة والملائمة

لتلك الأحداث والمتغيرات”، أما (ريمون آرون) في كتابه(السلم والحرب بين

الأمم) يذهب إلى إن الإسترتيجية هي فن قيادة العمليات العسكرية أما

الدبلوماسية هي توجيه العلاقات الدولية مع المجتمع الدولي وكلاهما تابعين

للسياسة، والذي أريد ألفت الإنتباه إليه، إننا نحتاج في الحرب والسلم إلى

ديناميكية فعالة وإدوات متغيرة تتناسب وحجم التحديات، من أجل تحقيق

الغايات النبيلة وهي المصالح الوطنية.

فالجمود والسبات والتقوقع هي عناصر الفشل الرئيسي، والتغيير والإنفتاح

والحداثة والتجدد وفق الثوابت الوطنية، هي مرتكزات النجاح والتطور،

ولإننا نعيش ضمن منظومة دولية غدت عبارة عن قرية صغيرة، جراء التطور

التكنلوجي والتقني، وظهور ما يسمى مواقع التواصل الإجتماعي، والتي قللت

من أهمية الحدود الجغرافية، وحولت العالم إلى كيان إفتراضي، لتشارك الأب

في توجيه عائلته، وتشاطر الدول في سيادتها على رعاياها، وهذا ما أعطى

أهمية كبرى للعامل الجيو سياسي، فالإنفتاح ومغادرة العزلة الدولية أصبح

لزاما” على كل دولة، على إن حكومات الدول المنفتحة عليها أن تمتلك دعامات

سياسية وثقافية وأمنية وإقتصادية للحفاظ على وحدتها وقوة سيادتها؟.

إن زيارة السيد عادل عبد المهدي للعربية السعودية، جاءت لتبين إن السياسة

الخارجية للعراق، هي سياسة منفتحة وتطمح بعلاقات متوازنة مع محيطها

العربي والدولي، مع توفر أدوات كثيرة لنجاح العراق في رسم هكذا سياسات

متوازنة، قائمة على مبدأ واحد على الأقل بالنسبة للعراق، هو سياسة ثابتة

طامحة لتحقيق مصالح الوطن العليا، عبر دبلوماسيات متنوعة ومتعددة، فنجاح

إسترتيجية العراق بالحرب على داعش، عبر حروب عسكرية مباشرة وإخرى أمنية

غير مباشرة، فرضت النظام السياسي للعراق على كل المشككين بنجاحه.

إلا إن ذلك النجاح لا يكفي لإستقرار دولة، في ظل المتغيرات الدولية

المتسارعة بزحمة الأحداث، لذا يتطلب إستثمار أدوات جديدة، كالمكانة الجيو

سياسية التي يتمتع بها العراق، التي بالإمكان أن تجعل منه لاعبا” لإخماد

الحرائق السياسية، التي تنتشر في منطقة الشرق الأوسط، وما يمثله العراق

من سوق إستهلاكية ضخمة وحاجته لإعمار المدن التي تضررت من حرب داعش ونقص

البنى التحتية مع وجود موارد وثروات طبيعية كبيرة جدا”، فضلا” عن خبرة

العراق في محاربة الإرهاب، فكل تلك العوامل وأخرى كثيرة تعطي للعراق

أهمية كبيرة في المنطقة.

لقد إنقسمت الطبقة السياسية العراقية، بين مؤيد لحكومة عادل عبد المهدي،

على الإنفتاح على السعودية وزيارة الوفد السعودي للعراق، والتي قوبلت

بزيارة مماثلة من حكومة العراق وبوفد رفيع المستوى، وأخر رافض لهذا

التطور السياسي، وقد يكون الرفض مبني على التراكمات السلبية، التي خلفها

الدعم السعوديىالسابق للإرهاب طوال أكثر من عقد، والذي خلف آلاف الشهداء

من العراقيين، مع إن العراق يمتلك الأدلة الكافية التي تثبت ذلك الدعم ،

وهنا نقول للرافضين لهذا الإنفتاح، إن العلاقات الدولية لا تنجح عندما

تكون أدواتها جامدة، وهذا ما أكد عليه خبراء السياسة وأساتذة العلاقات

الدولية والسياسات الخارجية، فالسعودية صاحبة القوة الإقتصادية الهائلة،

أدركت أهمية العراق في المنطقة، خصوصا” مع قدوم محمد بن سلمان ولي العهد

السعودي.

فالسعودية تغييرت بإتجاه العراق لإن مصالحها تطلبت ذلك وهذه هي الحقيقة،

وبالتالي فإن مصلحة العراق تحتم أن نستثمر هذا التغيير، وهذا ما يجب أن

تعمل عليه حكومة السيد عادل عبد المهدي، فما الذي سوف يلعبه هذا التغيير

السعودي، الذي من المؤكد سوف يركن لحرب القوة الناعمة مع العراق، كونه

صراع مصالح وحيازة أدوار، فبالأمس كان العراق ساحة حرب بين الغريمين

إيران والسعودية، بسبب هشاشة نظامنا السياسي ونتيجة تناحر الإرادات

السياسية العراقية ، على إن هذه الحرب لا زالت قائمة، ولكن بمنحى جديد

عبر مجال الترغيب، بعد أن فشل طرفي الصراع في جعل العراق ضمن معسكره،

فسياسة العراق هي رفض التمحور والتعويل على لغة الحوار والتفاهم لحلحلة

مشاكل المنطقة.

ونجاح حكومة السيد عادل عبد المهدي بهذا التحول والإنفتاح، مرهون بمدى

قدرة حكومته تحقيق المصالح العليا للعراق وشعبه عبر:

1_ النجاح بإقناع العربية السعودية بتوجيه إستثمارتها بإتجاه العراق،

وتوفي الدعم السعودي لأعمار المناطق التي تضررت من حروب داعش.

2_ إنهاء الخطاب السعودي الديني والإعلامي المتطرف بإتجاه العراق

والتحريض بإتجاه بعض مكوناته.

4- عقد إتفاقيات أمنية لتبادل المعلومات في موضوعة الحرب على الإرهاب،

وعدم إيواءالشخصيات العراقية المطلوبة للعراق، وعدم إقامة المؤتمرات

الطائفية على الأراضي السعودية أو خارجها.

5- بناء مدن صناعية داخل الأراضي العراقية لتسهم في تنشيط الإقتصاد العراقي.

6- عدم الإنخراط في سياسة المحاور، وأخذ العراق لمكانته الريادية والجيو

ياسية ليكون سببا” في تقريب وجهات النظر ونزع فتيل الأزمات في المنطقة

بصورة عامة وبين الجارتين إيران والسعودية خاصة.

7_ أن لا تكون الأرض العراقية منطلقا” لإستهداف دول الجوار.