لا يمكن اغفال حقيقة كون العراق عنصراً أساساً في المنظومة العربية والعالمية وعلى الجميع القبول بوجوده، فلا انفكاك في ذلك فعراق الرافدين يمثل تاريخ طويل يقدر بسبعة الاف عام من الحضارات المختلفة اجتمعت فيه ، “من منا لم يقرأ تاريخ العراق وخصوصيته الجغرافية والاجتماعية التي ولدت من تلاقح الحضارات التي نشأت في بلاد الرافدين، والتي كانت وراء التطور الحضاري والنوعي للمجتمع الإنساني، والانتقال التاريخي من البدائية إلى الحضارة والمدنية.
فعلى ضفاف نهري دجلة والفرات، في بابل وأور ونينوى وبغـداد، بنى أجدادنا السومريون والآشوريون والعرب حضارة عظيمة، وامتزجت ثقافاتهم وتفاعلت في كل المدن العراقية، مع استمرار ظهور الممالك العربية في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي. وقد أجمع المؤرخون على أن سكان مملكة الحيرة التي حكمها أمرؤ القيس والنعمان بن المنذر هم مزيج من العرب النازحين من شبه الجزيرة العربية وسكان العراق الأصليين، الذين استوطنوا بابل بعد سقوطها وتدميرها من قبل الساسانيين”.، إن خصوصية العراق في التنوع الإنساني وأصالة الثقافة الوطنية المتسامحة كفيلة في إخراج العراق من دائرة التأثير الخارجي الذي غير معالم العراق التاريخية والثقافية والاقتصادية إلى حد الوصول للمساس برمز العطاء والأصالة والتنوع العراقي المتمثل ببلاد السواد، بلد النخيل والخير.وهناك مصالحة تأريخية سياسية مجتمعية عراقية تضمن إنهاء التضاد القومي والطائفي والإثني الذي شتت الدولة مع الاسف بعد السبعينات من القرن الماضي وامتداداتها السياسية بعد عام 2003 ، وتضمن أيضاً مستوى مقبولاً من الوحدة الوطنية للدولة وسلطاتها، بما يضمن العدالة والمصالح لجميع العراقيين بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وإثناياتهم وتعزيزالدور الكبير للخصوصية الجغرافية والتاريخية لبلاد الرافدين في نشأة الدولة العراقية الحديثة، وأهميتها في جمع العراقيين تحت خيمة وراية الوطن الواحد، بعيدا عن مصالح صراع النفوذ الأجنبي الذي ((لا ناقة للعراقيين فيه ولا جمل)).
رغم كل الماسي وما لحق بالعراق من قبل إخوته العرب رغم جذوره الدينية والقومية والعلاقات المصيرية المشتركة إلا انه حافظ على تدعيم توطيد الأواصر الطيبة مع المحيط الإقليمي، وبنائه لعلاقات حقيقية، وفقاً للمصالح والمواثيق التي تربطه بالجوار العربي، والدول المؤثرة إقليمياً، مع الاحتفاظ بعلاقاته الأخرى. حفظا لمصالحه الاستراتيجية ،اما من جانب الأطراف العربية الفاعلة تحديدا كان همه وعمل عليه خلال السنوات الاخيرة التفكير في بناء توازن اقليمي جديد، يأخذ في اعتباره الخريطة الجيوبولوتيكية للمنطقة ككل وليس أحد أطرافها بالذات، وإذا كان مثل هذا المدخل سيجد قبولاً، فالنتيجة المنطقية أن يبقي العراق اولاً في منظومة التوازن الاقليمي ككل، وثانيا يكون جزءاً من عملية أكبر تتعلق بكل الأطراف في المنطقة، فهذان المدخلان هما الوحيدان اللذان يمكن لهما أن يقود إلى الاستقرار في الاقليم، هذا إذا أريد للإقليم أن يشهد نوعاً من الردع المتبادل والاستقرار طويل المدى ومن يريد إن يفكر بمصير هذا الشعب عليه عدم التغافل عن تاريخ يمتد في عمقه إلى الاف السنين. و من البديهي أن اصطدام العراق مع دول الجوار سيضر بأمنه واستقراره، فالعراق جار لإيران وتركيا والاردن والكويت وللمملكة العربية السعودية، وله مع هذه البلدان وبلدان العالم علاقات سياسية متينة و تاريخية وثقافية ومذهبية وقومية اصيلة ، ولذا فإنه من غير المتوقع أن يعمل العراق على تحسين علاقاته مع بلد على حساب الدول الأخرى، كما أنه لا يتوقع أن تكون بغداد صديقة لدولة دون اخرى وأن تكون عدوة لدولة دون اخرة بدون سبب يمس استقلاله وسيادته أو بالعكس، بل ينبغي النظر إلى المصلحة في علاقاته مع الدول المجاورة وتوطيد الروابط معها .ومن هنا فان الانطلاق الاقليمي للعراق يتطلب عدة امورمنها:-
1-المحافظة على الامن الداخلي من اجل عدم ترك المجال امام القوى الخارجية بتأثير على الداخل العراقي من خلال ضرب منظومة الامن والاستقرار،
2- لملمة التنافر بين القوى السياسية السائدة والذي بات يشكل تهدد فعلي لديمومة العملية السياسية.
كما نؤكد على إنّ التوازن الفعّال يعني “دولة عراقية قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً قادرة على حفظ التوازن الإيجابي بين استراتيجيات المنطقة”، وهو الأنموذج الأفضل للعراق والمنطقة، فبقاء العراق ضعيفاً سيقود -لا محالة- إلى تصادم وجودي بين الاستراتيجيات الكبرى، وتشتته سيؤدي إلى إعادة رسم للخارطة السياسية الإقليمية لأغلب دول المنطقة. إن التوازن الاستراتيجي هو: أنموذج الدولة العراقية المتزنة داخلياً والمؤدية دور التوازن الإقليمي والدولي الفعّال؛ بما يؤهل العراق ليكون قوة استرتيجية حقيقية مسالمة، وموازنة، ومتوازنة.وما في شك بأن استقرار المنطقة مرهون باستقرار العراق، وأي انحياز للعراق صوب الاستراتيجيات الإقليمية سيمزقه ويمزّق المنطقة، وإنَّ استقرار العراق والمنطقة يتطلّب خلق عراق التوازن الاستراتيجي، وهذا الأنموذج يحتاج إلى إعادة نظر بسياساته وإدارته، مع الحفاظ على تجربته الديمقراطية ومؤسساته الدستورية فالعراق اليوم يحتاج إلى نظرية الدولة ، المتمثلة بنواة صلبة للحكم تُضبِطُ إيقاع الدولة وفعلها وواجباتها. إنَّ سلب المجتمع القوة من الحكم، وابتلاع الأحزاب للدولة، والصراع التنافسي الوجودي بين قوى ومكونات الدولة، واستخدام العنف والإرهاب كأداة سياسية، والترهُّل والفساد والاستلاب، وغير ذلك، كلُّها عوامل أوصلت الدولة إلى ما هي عليه ،رغم تمتع العراق بكل مقومات النهوض من حضارة وثروات ومياه تكفي من أن تجعل منه القوة المؤثرة الرئيسية في المنطقة ، ولكن لن يجد العراقيون صعوبة في لمس العكس. من تدهور في مختلف الصعد ، الاقتصادية ، والثقافية ، والسياسية ، رغم كون شعبه يمتاز بأصالته و بخصوصيته في تعدد أنواع الاديان والمذاهب والقوميات وبتضاريسه المتنوعة وبكل ما تحمله من معاني خصوصية بلاد الرافدين