العراق والافلاس السياسي

العراق والافلاس السياسي

عاد موسم الانتخابات في العراق وعادت معه الكتل السياسية التقليدية لتسوّق نفسها بذات الخطاب التقليدي الذي سوّقت به نفسها منذ عشرين عاماً وكأن الزمن متوقف.

والمشكلة الحقيقية في ذلك لا تتعلق بطبيعة الخطاب السياسي أو شعارات القوى السياسية بحد ذاتها وإنما في حالة الجمود التي يعانيها المشهد السياسي برمته والتي لا تكاد تشهد تغييراً حقيقياً على الرغم من مواسم الإنتخاب المتكررة والمختلفة حتى بات المواطن العراقي يشعر بأن النظام السياسي لم يتغيّر بعد العام 2003 إلاّ من حيث الشكل فقط.

والباحث المتفحّص للنظام السياسي العراقي سيكتشف ذلك بكل سهولة، فلك أن تضع خريطة للقوى السياسية التي شاركت في الانتخابات النيابية للعام 2006 ثم ضع ذات الخريطة لإنتخابات العام 2025 ستكتشف أن القوى المرشحة للانتخابات هي ذاتها دون تغيير حقيقي.

وقد يكون هذا الواقع مقبولاَ من الناحية النظرية لقواعد النظام السياسي بثبات الخريطة السياسية أو استقرارها، لكن الإشكال يكمن في جمود الخطاب السياسي بشعاراته وبطبيعة الحال بلا برنامج حقيقي.. فلا حزب سياسي ولا كتلة سياسية تتبنّى برنامجاً حقيقياً يتضمن مشروعاً سياسياً أو رؤية سياسية.

بل لازال الأمر يقتصر على شعارات متكررة باتت مملّة حد الرتابة، وبإمكان أي مواطن عاش العقدين السابقين أن يكررها غيباً.

فالتخويف من النظام السابق والوعيد بأزمة قادمة لازال ديدن جل الأحزاب السياسية التي سيطرت على المشهد منذ العام 2003.

وفي تصوري أن هذا الخطاب هو نتيجة لحالة الإفلاس السياسي التي تعانيها تلك الأحزاب والكتل والتي لا تمتلك ما يشجّع ناخبيها على المشاركة في العملية الانتخابية القادمة سوى هذين الأمرين، أما الحديث عن رؤية ومشروع فلا وجود لهما في قاموس الأحزاب والكتل السياسية العراقية.

هذا الخطاب المفلس المتكرر يضع العملية السياسية برمتها أمام أزمة جمود سياسي، إذ بات الأعم الأغلب من الناخبين يعزف عن المشاركة في الانتخاب ما يؤدي في النتيجة إلى ضعف مشروعية النظام السياسي وهذا من أخطر ما تواجهه الأنظمة السياسية.

فهذه الأزمة لا يمكن حلها بتوفير بعض فرص العمل هنا أو افتتاح هايبر ماركت لبيع السلع بأسعار مخفّضة، فالأجيال التي أعقبت الاحتلال في العقدين السابقين والتي تعد الشريحة الأكبر من ناخبي العراق اليوم نشأت في ظل انفتاح سياسي واجتماعي لم يعرف سابقاً وباتت تمتلك من الرؤى والأفكار ما يختلف عما تحمله القوى السياسية التقليدية الحالية التي نشأت في ظل عقود الدكتاتورية والاستبداد السياسي في العراق.

عليه فإن النظام السياسي المرجو من الأجيال القادمة يختلف من حيث الهيكل والتنظيم والبرنامج مقارنةً بالنظام الحالي، وهنا نشأت الفجوة التي أوجدت تشرين وما قبلها والتي قد توجد ما بعدها إن استمر النظام الحالي في تبني شعار أن (المواطن يقول ما يريد ونحن نفعل ما نريد) ثم ليظهر من يمثل النظام فيما بعد ليقول كما قال الرئيس التونسي السابق الحسن بن علي (أنا الآن فهمت) ولكن بعد فوات الأوان.