23 ديسمبر، 2024 3:25 ص

العراق والإنتقال من دولة المشروع الی مشروع الدولة

العراق والإنتقال من دولة المشروع الی مشروع الدولة

الإحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في وسط و جنوب العراق والتي تسمی بـ”ثورة تشرین”، أثبتت بأن الوعي السائد في أجهزة الدولة يعاني من أزمة حادة، تكمن في إنفصالها العميق عن الشعب و إرادته، وبعده عن خياراته وقناعاته الكبرى، مما أدخل المجتمع العراقي في أتون صدامات صریحة و مضمرة مع الطبقة السیاسیة الحاکمة.
لقد فشلت القيادات السياسية منذ أكثر من 16 عام في صوغ مشروع وطني جامع يستهدف البناء وتعميق الحريات والتنمية الشاملة على مستوى المحلي ويبلور مقاصد الجميع على المستوى الحضاري.
هكذا تم إرهاق المجتمع العراقي و جعله على هامش الصيرورة و حركة التاريخ المعاصر.
السؤال هو، هل بأمكان القوی المحتجة صناعة قيادات جديدة تستطيع أن تنجز مشروعاً مدنياً قادراً علی البدء بعملية البناء أو إعادة البناء أو النهوض بالعراق الفيدرالي و تحقيق إصلاح شامل ومتكامل للحقل السياسي الوطني؟
نحن نعلم بأن الشعب العراقي المحتج والغاضب قد أعلن منذ إنطلاقة الثورة بشعاراته طلاقە من جميع الأحزاب السیاسية الدینیة، التي زرعت بذور الطائفیة المقیتة وفشلت طوال مدة حکمها في الإتفاق علی أبسط معالم الوطن، کالعلم الجامع لکافة المكونات والنشيد الوطني الجامع لكافة المکونات، لا النشيد الغير عراقي، وإحترام خصوصیات القوميات وصون الدستور و تنفيذ قوانیها.
إذن العراق الفدرالي الیوم بأشد الحاجة الی إصلاح ثقافة وفكر وسلوك سياسي وهياكل ومؤسسات وقوانين وأطر إرشادية موجهة لبناء الدولة بشكل سليم، حتى تتم إعادة الإعتبار والثقة بالسياسة من قبل المجتمع.

يريد هذا الجيل الشبابي المنتفض والحامل لراية مكافحة الفساد والمحسوبية والمنسوبية أن لاتستمر حیاته في العيش تحت اليأس من أداء القوی السياسية الحاکمة منذ سقوط الطاغي صدام حسين، بل التقدم والدخول بتجربة الكفاءة والخبرة والنزاهة في تولي المواقع ووضع آليات لمنع تكرار ماحصل في السابق.
لقد وصل العراق الفدرالي فعلاً لمنعطف تاريخي مهم وهو يمر الآن في مرحلة صعبة جداً بحيث لايمكن إنقاذە سواء بالاستمرار بالطريق الذي سلكە الطبقة السياسية الحالية الفاشلة والمؤمنة بحکم الحشد الشعبي الغير دستوري والمیلیشیات الدموية الخارجة عن القانون أو تراجع عنه، لذا یمكننا أن القول بأن ساعة التغيير قد حانت لغرض صعود أسماء جديدة إلى سدّة الحكم بعيداً عن رموز الفساد والفشل والمحسوبية والإنتماءات الطائفية والإرتباط بأجندات خارجية، و إعمار مؤسسات الدولة بشخصيات قادرة على قيادة العراق نحو تنمية اقتصادية حقيقية.
لایمكن للعنف المسلح للسلطات القمعية المختفية تحت عباءة الطاغوت الثيوقراطي، والتي تقتل المدنيين الابرياء أن توقف التظاهرات السلمية التي تعبر عن رغبة الشعب في تبني إستراتیجية جادة و نزیهة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضمان الحقوق المشروعة للمواطنين ليتمتعوا بحياة ديمقراطية و حرية و سيادة علی أرضهم في بلد يعد المنتج الثاني للنفط في منطقة الشرق الأوسط.
وختاما نقول، بأن الشعب المنتفض الواعي والثائر من أجل حقوقه المشروعة في الحرية والتقدم والازدهار الاقتصادي تبحث عن الأمن عبر الدیمقراطية الإجتماعية و أنه لايقع مرة أخری في مخالب استراتيجية الهيمنة الإقلیمية الهادفة لنشر نماذج شمولية دينية فاشية، بل یناضل من أجل إیقاف احتكار السلطة و منع استمرار نهب المليارات من ثروات المجتمع التي يفترض انها ملك لأبنائه. إذن عالم المستقبل يضمن العدالة والدیمقراطیة الإجتماعیة بعیدا عن الأیدیولوجیات الدينية والحکم المركزي وتهميش الغير.
علی العراق الجديد بلورة صيغة حضارية تضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، بحيث تكون العلاقة علاقة تفاعل وتكامل، ‏لا قطيعة وصدام، ومنهج التفاعل والتكامل، يقوم على سيادة مفهوم الديمقراطية والقانون و حقوق القومیات. وعلیه أیضاً الخروج من الشرنقة الأيديولوجية والطائفية، التي تحيل كل شيء إلى قانون إما مع أو ضد.
بعبارة أخری، العراق الفدرالي بحاجة إلى بناء دولة القانون والإنسان والانتقال من دولة المشروع إلى مشروع الدولة.