عانى العراق منذ العام 2003، وما زال، من جملة مشاكل سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة ومجتمعيّة وفكريّة وقضائيّة أقلّ ما يُقال عنها بأنّها أكلت الحرث والنسل.
ولا شكّ أنّ المخاطر الإرهابيّة وتداعياتها هي المعضلة الأكبر التي طحنت أكثر من مليون مواطن، وسحقت أكثر من ربع الشعب داخل العراق وخارجها.
ولكن بالمقابل هنالك أنواع أخرى من الإرهاب غير ظاهرة، وقد تكون المخدّرات هي الإرهاب الأخطر الذي يعاني منه المجتمع العراقيّ بعد أن كانت البلاد في مرحلة ما خالية تماما من أيّنوع من المخدّرات!
ومنذ أن كشف وزير الداخليّة العراقيّ السابق عثمان الغانمييوم 22/10/2022 بأنّ“ 50 بالمئة من شباب العراق يتعاطون المخدّرات“، (خمسة مليون شابّ تقريبا)، منذ ذلك اليوم والمجتمع في حيرة من أمره في كيفيّة تفادي هذه المعضلة الأخلاقيّة والمجتمعيّة والإنسانيّة!
والأغرب من ذلك، وفي دلالة واضحة على تفشي المخدّرات في مفاصل الدولة المهمّة، وجّه وزير الداخليّة الحاليّ عبد الأمير الشمري، نهاية آذار/ مارس 2023، بمنح إجازة لمنتسبي الأمن من متعاطي المخدّرات خلال فترة العلاج ممّن يتقدّم منهم من تلقاء نفسه للعلاج، بعد أن بدأت الوزارة بفحص جميع الضبّاط والموظّفين والمنتسبين في الوزارة بشكل مفاجئ لكشف المتعاطين للمخدّرات!
وبخصوص أبرز المخدّرات المنتشرة ذكرت وزارة الداخليّة بأنّالكريستال والحشيشة والكبتاغون تعدّ من أبرز المخدّراتالمتداولة في العراق!
وهذه الظاهرة القاتلة لم يتوقّف انتشارها الأفقيّ والعاموديّرغم الملاحقات والحملات المستمرّة للأجهزة الأمنيّة المختصّة، ورغم الأحكام القضائيّة الطويلة والمتأخّرة التي تطول المتاجرين والمتعاطين لهذه الآفات المهلكة.
وكشفت وزارة العدل العراقيّة في الخامس من حزيران/ يونيو 2023 أنَّ أعداد المسجونين بتهم المخدّرات تجاوزت عشرة آلاف من ضمنهم سبعة آلاف و500 بالمتاجرة، وأكثر من ألفين و800 بالتعاطي!
فكيف يمكن تصوّر الواقع العراقيّ مع وجود ما يقرب من ثمانية آلاف تاجر للمخدّرات داخل السجون، وربّما ضِعفهم خارجأسوارها؟
وليس هذا فحسب بل الأدهى والأمرّ أنّ بعض إدارات السجون هي التي تُدير شبكات بيع المخدّرات للمعتقلين والسجناء.
وقد اعتقلت قوّة أمنيّة في الأوّل من حزيران/ يونيو 2023، (أ، ج، ك) معاون مدير سجن الناصرية للأحكام الخفيفة جنوبيّالعراق بعد ساعات من اعتقال مدير سجن العمارة الجنوبيّالمركزيّ في ذات التهمة.
وضمن المحاولات القضائيّة المتأخّرة لعلاج هذه الآفة أصدرت محاكم جنايات بغداد/ الرصافة، وميسان والنجف، في الخامس من حزيران/ يونيو 2023 أحكاما قضائيّة بالإعدام بحقّ ثمانية مجرمين من بينهم اثنان يحملان جنسيّتين أجنبيّتين ضبط بحوزتهم (34) كيلو غراما من مادّة الأفيون المخدّرة، فيما ضبط بحقّ اثنين منهم (466) غم من المخدّراتبعد أن استورداها من دول أجنبيّة وترويجها داخل العراق!
والسبب الأبرز لانتشار المخدّرات في المجتمع العراقيّ يعود للبطالة والفقر الذي وصل لدرجات مخيفة، وقلّة الوعي المجتمعيّ بمخاطر المخدّرات وهشاشة البرامج الرسميّة التوعويّة وكذلك القوانين غير الرادعة بما فيه الكفاية لهذه الجرائم التي لا تقلّ خطورتها عن الإرهاب المسلّح، وربّما هي أشدّ وأقسى!
وقد ذكرت وزارة الداخليّة نهاية أيّار/ مايو 2023 بأنّهاوضعت استراتيجيّة لمكافحة هذه الآفات القاتلة ترتكز على التعاون مع دول الجوار لمكافحة المخدّرات ومحاربتها، وتعزيز مديريات الضبط للقضاء على كبار تجّار المخدّرات!
إنّ المخدّرات آفة مُدمّرة لا يمكن معالجتها بالقوانين الصارمة فقط رغم أهمّيّتها، وعلاجها الأفضل بحاجة لتكاتف مجتمعيّيبدأ من البيت وينتهي بالإعلام مرورا بدور العبادة والجمعيّات الإنسانيّة والنقابات المهنيّة!
أنقذوا العراق من المخدّرات قبل أن تحرق الأخضر واليابس!