في تناولهم للهجرات سيما التي تحصل لأسباب سياسية وطائفية، تلقى الكتاب السياسيين في معظم الاحوال يستعينون بعنوان رواية الروائي السوداني المرحوم الطيب الصالح (موسم الهجرة إلى الشمال) مع ادخال تحوير عليه أو تغيير طفيف. وبدوري لم اسلم منه. ويبقى موسم الهجرة أبداً إلى اتجاه واحد(الشمال) ما يعني انهم لم ينتبهوا بعد الى ما يجرى في العراق من هجرات إلى جميع الاتجاهات، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
عشيرة السعدون السنية في الناصرية بجنوب العراق والتي سميت الناصرية باسم أحد قادتها، اي ان افرادها هم أصلاً من سكنة الناصرية الاصليين، تعرضت في الاسابيع الأخيرة، الى اضطهادات متلاحقة سلطتها عليها الميليشيات الطائفية وارغمتها على الهجرة شمالاً والى محافظة صلاح الدين السنية، وفي محافظة البصرة تجد العوائل السنية على خطاها، بعد ازدياد الهجمات الطائفية عليها، فالاظطهاد بحقها يتم بشكل شبه يوم، وتشير الأرقام إلى مقتل 15 سنياً فاكثر وذلك في الايام الاخيرة، والقتلى ينتمون الى مهن شتى فمن بينهم رجل الدين ومعلم المدرسة والكاسب وغيرهم، ولقد وقفت على الرقم المذكور من خلال قراءتي لخبر عن راكبي دراجات نارية من الشباب وهم يقومون بترهيب أهل السنة والجماعة من البصراويين عن طريق اطلاق النار على دورهم ومحال اعمالهم. والبصراويون السنة كما السعدونيين السنة من الناصرية تراهم قوافل وافرادا ليس الى صلاح الدين وحسب بل الى الأنبار غرباً ايضاً!
بالمقابل، ثمة هجرة معاكسة لهجرة سنة البصرة والناصرية، وهي للشيعة ومن الشمال إلى الجنوب، وهذا ما جرى ويجري في المسيب، وهؤلاء المهاجرين هم من الاقلية الشيعية التي تواجه ملاحقات واظطهادات وضغوط من المنظمات الأرهابية التي تنتحل الهوية السنية، هؤلاء وكما قلت يفرون من الشمال إلى الجنوب. وفي خبر نسب الى عضو في مجلس محافظة بابل ان هناك 5000 عائلة مهجرة في بابل وليس من جهد لأغاثتها ولم نعلم اهم من السنة اوالشيعة. ويبدو ان موسم الهجرة إلى الجنوب يشمل شيعة آخرين، اذ منذ شهور ينتقل الشيعة التركمان في قضاء طوزخورماتو بعد سلسلة عمليات تفجير وقتل طائفية ادت الى مقتل خلق كثير منهم فأضطروا للهجرة الى الجنوب او الى المناطق ذات الاكثرية الشيعية في الوسط، ولا ننسى ان الوسط القريب من بغداد أو حواليها يتشيع باستمرار وفي قضاء طوزخورماتو ايضا يقف المرء على هجرة من نوع آخر،اي هجرة سكانه الكرد ولكن إلى الشرق، الى خانقين وكلار ومنهم الى العمق الكردستاني شمال. وبحسب احصائيات كردية ان هجرة الكرد من ناحية شهربان بأت نحو الشرق الى خانقين ويقصد الأخيرة كرد جلولاء والسعدية كذلك واللتان تواجهان بين آن وآن عمليات اغتيال وتفجير، والضغوط على المواطنين في هذه المناطق والتي تتبع محافظة ديالى، تأتي من الميليشيات الشيعية وكذلك من المجاميع السنية المسلحة أيضاً، اي انهم بهدف حملهم على الهجرة إلى الشرق أو الشمال، يتعرضون الى اضطهاد مزدوج شيعي وسني في آن.
وفي مدينة الموصل المدينة الثانية بعد بغداد من حيث السعة والضخامة. فقد قتل فيها، في الاسابيع الاخيرة نحو (20) مواطناً من الكرد الشبك، وحدثت عمليات تفجير لقرى لهم وكذلك لمجلس عزاء، والى كتابة هذا المقال فان عدد المقتولين من الشبك منذ 2003 تجاوز الـ 1300 شخصاً. ونتيجة لذلك فان المئات من العوائل الشبكية غادرت الموصل إلى الشرق والشمال الشرقي هرباً من القتل والدمار، طالبة الحماية والأمان من قوات الاساييش الكردية. ان سهل نينوى شرقاً والذي كان يزود الموصل بالحبوب وانواع من المحاصيل الزراعية، في طريقه إلى الاختفاء جراء بناء النازحين اليه، لمئات من الدور والمباني. والشبك جراء انتمائهم الى القومية الكردية ونحو 70% منهم إلى المذهب الشيعي، فقد اصبحوا ضحية اضطهاد مزدوج قومي كردي ومذهبي شيعي، ان الموصل بدأت تخلو من الشبك، كما يقال ان لكل قاعدة استثناء فان الشيعة الشبك بدلا من ان يتجهوا الى الجنوب الشيعي فانهم توجهوا شرقا نحو العمق الكردستاني وخلت الموصل من الكرد الايزيديين أيضاً، فعلى اثر مقتل 24 عاملاً ايزيدياً في الموصل عام 2007 وفي مجزرة جماعية، فان اكثر من 5000 ايزيدي غادروا الموصل باتجاه الشمال، الى قضاءي تلكيف والشيخان، وبعض منهم الى ناحية بعشيقة الواقعة في الشمال الشرقي للموصل، ما يفيد ان الهجرات ليست الى الشمال والجنوب والشرق والغرب في العراق بل الى الشمال الشرقي أو الشمال الغربي، والى الجنوب الشرقي والجنوب الغربي كذلك وفي اوقات سابقة وما يزال فان شمال الموصل الخاضع للاساييش شهد اكثر من نزوح للمسحيين لقد حل موسم الهجرة في العراق الى كل الاتجاهات. وفي ديالى يجري الحديث عن نزوح طائفي متبادل بين بعقوبة والمقدادية فلقد هاجرت عوائل شيعية احياء الفرق والكاطون والمعلمين الى ناحية ابي صيدا والمقدادية مقابل نزوح عوائل سنية منهما الى بعقوبة. وإلى متى يتحدث بعض من القادة والكتاب السياسيين ورجال دين ورجال عشائر بسذاجة وجهل وسطحية عن عراق واحد أو شعب واحد والزعم باخوة السنة والشيعة أو العرب والكرد أو التعايش بين المسلمين والمسيحيين؟
ان العراق مقبل على التقسيم لا محالة ومتى ما تم اخلاء الجنوب وحوالى بغداد من السنة، والمناطق السنية من الشيعة وأخلاء المنطقتين الوسطى والجنوبية من الكرد، آنذاك لا بد من الاعلان عن تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات وثلاث دول بل انه، الاعلان ، كخطوة تنفذ تلقائياً. وتصوروا الوضع الذي يكون عليه المهاجرون والشتاء على الأبواب!
[email protected]