في عام ١٩٧٨ أصدرت الحكومة العراقية التي يقودها حزب البعث قراراً يُلزم كل الموظفين بالدولة العراقية بالانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي أو على الأقل يوقع الموظف تعهداً أن يكون بدرجة «مؤيد» لحزب البعث ولا ينتمي لحزب سياسي غير حزب البعث، كان لهذا القرار تبعات كبيرة فقد فُصل عدد كبير من الموظفين الذين رفضوا الانصياع لحزب البعث [خصوصاً الموظفين ذو الميول اليسارية والإسلامية] ، كان القرار بداية لهيمنة حزب البعث على مؤسسات الدولة، وبداية لوصول الأميين والطارئين إلى المناصب العليا في الدولة لأنهم يستقوون بدرجتهم الحزبية، أصبح القبول في الدراسات العُليا والكليات العسكرية حكراً على حزب البعث أو من يأتوا بتزكية من حزب البعث وكذلك المناصب الرفيعة في الدولة. هذا القرار عرف في الادبيات العراقية المحلية بــ”قرار التبعيث”.
قبل أشهر أصدر زعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر قراراً بتأسيس ما أسمهاه «البنيان المرصوص» ، ظاهرهُ كان مشروع تكافل أجتماعي وقد تبرع مقتدى الصدر بنفسه بمبلغ مالي قدره ٥ مليون دينار عراقي للمشروع وطالب المتمكنين من أتباعه بالتبرع للمشروع، وبدأت أولى خطوات المشروع بتزويج عدد من الشباب. لكن في الحقيقة مشروع البنيان المرصوص أبعد من التكافل الاجتماعي هو مشروع لليسطرة على الوظائف الحكومية لتكون حصراً لإتباع الصدر، فقد أستبق الصدر فوزه بالانتخابات بتأسيس هذا المشروع ليزج لاحقاً بإتباعه في الوظائف الحكومية لخلق شبكة زبائنية موالية له، هو يحاول تكرار تجربة المالكي الذي عين عدداً كبير من الموظفين في القطاع الحكومي مستغلاً المال العام لخلق شبكة زبائنية تواليه.
لا يختلف مشروع البنيان المرصوص الصدري من حيث المبدأ عن قانون التبعيث الذي أصدره حزب البعث فكلاهما يستغلان المال العام والقطاع الحكومي لخلق شبكة زبائنية موالية لهم، تكون خاضعة لهم وتنفذ رغباتهم بنهب وتدمير القطاع العام. وإذا كان قانون التبعيث بداية لــ «بعثنة» الدولة فإن مشروع البنيان المرصوص سيكون بداية لـــ«صدرنة» الدولة.
قبل أسقاط حكومة عادل عبد المهدي تقاسم تحالفي الفتح وسائرون [الكتلة الصدرية] الدرجات الخاصة بينهما وأستحوذ الصدريون على معظم تلك الدرجات، يبدو أن مقتدى الصدر يسير بخطى ثابتة لتحويل كل مؤسسات الدولة لخدمة من يتبعه، وتحت ضغط البطالة والعوز سيضطر الكثير من العراقيين الإنضمام للتيار الصدري من أجل الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي.