23 ديسمبر، 2024 11:23 ص

العراق من المهد الى اللحد

العراق من المهد الى اللحد

قصص تروى وأحاديث تتردد عن تأريخ العراق منذ ولادته ودخوله المهد، تتحدث عن بطولات وثورات ونزاعات وحروب، التي لم ولن تنتهي مهما تمنينا ومهما خططنا لها، لأنها أصبحت جزءا لا يتجزء من يومياتنا، فقد أصبح الأنسان العراقي سياسيا من الدرجة الأولى يظاهي سياسيي العالم العظماء، وأنه ولد معها وعاصرها وأصبح رفيقا للأزمات السياسية منذ رقوده في ذلك المهد، فحتى الطفل العراقي الذي كان من المفروض أن ينعم بطفولته، أصبح ركنا من أركان السياسة، يشارك في المعارك والمظاهرات والنزاعات السياسية حتى، وأصبح محللا في مقتبل عمره يتحدث عن الحزب الفلاني أو الكتلة الفلانية، بجانب عمله المشرف في بيع العلكة أو أكياس النايلون أو صبغ الأحذية للمارة، أو بحثه في القمامة عسى أن يعثر على شيء يباع لسد الرمق.

مما لا شك فيه أن تلك النزاعات والحروب التي لا يعلم أكثر من 90% من سكان العراق لماذا حدثت تلك الأزمات ولماذا تحدث، فعامة الشعب لا يمكنهم الدخول في التفاصيل والأسباب والأجندات التي تجر العراق الى تلك المصائب، لأن ما يهم المواطن هو رمق العيش وقوته اليومي، الذي بات مرتبطا بحياته الممتلئة بالمخاطر والخوف والموت، فالمعارك والشهادة في سبيل الوطن بالنسبة لأصحاب الكرامة أصبح هاجسا لا يفارق العراقيين، وأصبح المواطن يشمئز من كلمة مسؤول أو كلمة الحزب الفلاني أو الحركة الفلانية، التي تنادي بالعيش الكريم قولا وليس فعلا كما يقول المواطن البريء، وتلك التي تنادي بشعارات تكررت لعشرات سنين ولت، منذ أن بدأ دخول العراقيين الى ذلك المهد بعد ولادته، تلك الولادة التي كانت عسيرة حتى في باديء الأمر، ما جعل الفرد العراقي يدخل معترك السياسة ذات الأجندات الفردية والشخصية الخارجية.

وإذا ما تمعنا قليلا في أمور هذا البلد لرأينا جروحه التي لم تلتئم بعد منذ الولادة وحتى الآن، لأن نزيفه أستمر دون إيقافه أو دون دواء أوعلاج، ولأن الأجندات التي جرحته تزداد يوما بعد يوم، فعبقرية صانعي المهد أكبر من أن تستوعبه إنسانية وبراءة مكونات العراق، الذين لم يروا لحظة واحدة من السعادة مع أولئك الصناع، ولم يذق طعم الراحة التي ينعم بها كل من حوله، وأصبح هو من يتحمل ألم مسامير المهد التي كانت قد صدأت أول وهلة وإزداد صدأها، وأصبح الخشب متهرئا أكثر من ذي قبل، ذاك الخشب الذي يعد من أبخس أنواع الجودة، والذي جاء به صانعوه ليوهموا عقولنا، ببدعة صناعته التي لم تكن يدهم قد صنعته ولن يكون لهم يدا فيها، بل كانوا فقط واسطة نقل جاؤوا به الى العراق، فبدل أن يقوم أولئك العباقرة بتعليم أفراد الشعب كيف يصنع مهدهم وما هي مكوناته، وهل هو من الدرجة الأولى وأجود الأنواع، قاموا بتعبئة جهودهم وأفرادهم ليمنعوا التنعم والنعيم، ويمنعوا إستيعاب المواطن للأمور ولتلك الصناعة، وما كان يحلم به منذ دخول هذا المهد الى البلد.

ولكن إستمرار تلك الأزمات في العراق وإلتهام الحرائق للأخضر واليابس، أوقف هذا الشعب المسكين بل وأعادهم الى الوراء، وأبقاهم الصانعون فقط ليمسحوا وينظفوا آثار الحرائق من الدخان والرماد، وجعلهم يتعلمون كيفية حمل السلاح بدل القلم، والجلوس في الظلام بدل النور، والعمل على صناعة اللحد بدل صناعة التكنلوجيا، بهدف إخفاء أسباب وآثار تلك الحرائق التي بقيت آثاره على وجوه المساكين لتراهم بائسين يائسين، ولكن الصانعين لم يبخلوا عليهم في أن يتعلم الشعب شيئا

واحدا فقط، ألا وهو كيفية صنع مكانا آمنا له، بعيدا عن هذه الدنيا التي أغلقت بابها بوجهه، فقد تعلم علما وتكنلوجية غريبة تمثل في صناعة اللحد ليختفي ويدفن نفسه فيه، وليبقى هادئا مطمئن النفس، بدل المهد الذي خدشه بمساميره الصدئة السامة وبسبب ذاك الخشب المتهريء الذي أوقعه عن مكانه، فهذا هو حال الشعب العراقي بيد الأجندات التي فرقت بين جميع المكونات والطوائف، وقضت على حقوق الجميع، بحجة أنهم يصنعون المستقبل للجميع والعراق، بل على العكس لقد دمروا ما كان مبنيا، وزرعوا ديمقراطية مزيفة في العقول، وتم محو الآمال والتطلعات من قاموس العقول نحو التقدم والتطور، نعم هذا جميعه ما حصل ويحصل في العراق من المهد الى اللحد.