الخارطة السياسية العراقية نستطيع أن نصفها بـ (شليلة وضايع راسها). فكما هو معلوم لدى الجميع أن الاحتلالات لكل البلدان لها سلبياتها، وتأثيراتها على واقع تلك البلدان التي خضعت لتلك الاحتلالات، والتأثير يكون على جميع مناحي الحياة منها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرها. والعراق على اعتباره احُتل من قبل امريكا عام 2003 واسقط نظامه القائم آنذاك، وجاؤوا بنظام جديد قالوا أنه نظام (ديمقراطي) والعهدة على القائل، وحدثت امور سياسية غير خافية على القارئ الكريم، عراقيا كان هذا القارئ ام عربيا على حد سواء. فلا داع لشرح ما جرى في العراق من سياسة اضرت بالشعب اكثر ما نفعته، ولازال الشعب العراقي يعاني الامرين جراء هذه السياسة(الرعناء). واما ثقافياً، فقد انقسم المثقف العراقي الى ثلاثة اقسام، قسم مؤيد هذه السياسة- وهو المثقف السلطوي- وقسم متذبذب، لا ندري هل هو مع هذه السياسة ام ضدها، واما الثالث: فهو منطو على نفسه، يعني (مضيّع صول اجعابه). واجتماعيا، فقد اثمر الاحتلال الامريكي ثمرة مرة المذاق، الا وهي العنف الذي لم يشهده العراق من ذي قبل وعلى مدى تاريخه، حيث اصبح الاخ يقتل اخيه، ويأكل لحمه نيئاً. وهذا قد يكون امرا طبيعياً، وهو الهدف الذي سعى له الاحتلال، وقد نجح في مسعاه.
وليس هذا فحسب، كلا، بل حتى فسدت الاذواق، وصرنا نسمع الاصوات النشاز بدل الاصوات الاصيلة، الجميلة المُعبرة، التي تفيض احساساً، وتبعث النشوة بالفؤاد، وتجلب للسامع الفرح الغامر، واللحظة الجميلة، وتشعره بجمال الحياة، وتنسيه معاناة يومه رغم الالم الذي يعصره جراء الوضع المزري.
والاصوات النشاز كثيرة، وما يسمى بالأغاني الشبابية ايضاً كثيرة، وهي تصم الآذان، واحياناً تخدش الحياء، وتجلب للسامع الكدر بدل النشوة، ويا ليتهم يكتفون بهذا وتنتهي القضية!، بل جاءونا بسفاسف ما انزل العقل بها من سلطان، الا وهي قضية (بيت كطيو) دامت بركاته، والتي شغلت الشارع العراقي، فلا تجد بيتاً او محفلاً، الا وتسمع منه هذه الدبكة او الرقصة او ما ادري ما اسمها. فالظاهر اليوم أن قضية المجتمع العراقي الكبرى هي بيت كطيو الذين طبخوا (النومي) بدل الطبخات السياسية، والتي قد تثمر خيرا للعراقيين، ولو أن القضية ميؤوس منها.
نعم، نحن اليوم مقبلين على فلسفة جديدة قد فاتت حتى ارسطو قديما، وفاتت شوبنهاور في العصر الحديث، وفاتت ايضا رحيم ابو الطرشي، وعبود ابو العنبة، وفاتت حجي ياسين ابو الفلافل. ويبقى السؤال: من الذي ينتصر في النهاية، الشعب العراقي، ام السياسي ام بيت كطيو؟!.