أي تغيير يحدث في أي مجتمع ، سواء نحو الأفضل أو نحو الأسوأ ، يمكن الحكم عليه ببساطة من خلال بعض المؤشرات والدلالات البسيطة والواضحة تماماً دون الحاجة الى القراءات المعمقة والتحليلات المعقدة لكشف أبعاد تلك المتغيرات في المجتمع . ولكي نقيم التغيرات التي حصلت والتي ستحصل في المجتمع العراقي يكفي فقط توضيح بعض الأمور والوقائع التي حصلت منذ عام ٢٠٠٣ وما تلت من أحداث ووقائع وإفرازات بعد هذا التاريخ . لنختصر بعض الوقائع ، مع إختلاف وجهات النظر ، للتذكير بأن ما حدث من تغييرات في المجتمع العراقي ما هو إلا نتاج لتفاعل عدة عوامل ، داخلية وخارجية تاريخية أو آنية ، والتي شكلت ماهية وطبيعة الثقافة والوعي السائد بين أفراد المجتمع العراقي عموماً . فسلوك المجتمع على مختلف المستويات وعلى مختلف القضايا المتعلقة به هو ليس وليد اللحظة لحدث أو أحداث معينة فقط وإنما هو نتيجة لخصائص المجتمع التفصيلية التي تكونت خلال مراحل زمنية سابقة قد تتعدى عقود من الزمن .
من أهم الأمور التي أفرزتها المرحلة ما بعد عام ٢٠٠٣ هو غياب الثقافة العامة لمعظم شرائح المجتمع بالنظم الديموقراطية الحقيقية ، حتى بين من يدعون أنفسهم بأنهم مثقفون ، أي الجهل الحضاري لعموم المجتمع بكيفية إدارة الدولة . وهذا ناتج بالأساس من طبيعة الأنظمة السياسية الفردية والديكتاتورية التي توالت على حكم العراق والتي خلقت أجيال أصبحت بطبيعتها ( بإستثناء قلة ) خاضعة وخانعة للمفهوم الفردي وليس للمفهوم المجتمعي . أي التقديس والولاء المطلق للرمز الفردي شخصياً ( كالتقديس والولاء المطلق لأشخاص يمثلون قيادات المجموعات والأحزاب والتكتلات والفئات والأعراق ) أو التقديس والولاء المطلق للكيانات المعنوية ( كالمراجع الدينية على سبيل المثال ) .
الأمر المهم الآخر هو ان الفرد العراقي عموماً ( بتكوينه ) يحمل من المتناقضات في مجمل حياته ما يجعله عرضة للظروف البيئية العامة سواء السياسية أو الأجتماعية أو الإقتصادية ( داخلياً أو خارجياً ) بحيث إن الفرد العراقي بشكل عام هو شخص تابع وليس قائد بتكوينه وثقافته وتربيته . لتوضيح هذه النقطة ببساطة إن الفرد في المجتمعات المتقدمة هم أحرار في كل شيء ، ليست هناك أي متناقضات في حياتهم ، ألجميع يتفاعل مع المجتمع والحكومة من أجل صالحم ومستقبلهم .
الأهم من كل ذلك هو ظهور حالات وممارسات غريبة وعجيبة في تكوين وممارسة إدارة الدولة بعد عام التغيير ٢٠٠٣ . أولها ، وبعد إقرار تطبيق النظام الديموقراطي في الحكم بموجب الدستور برزت الأحزاب والتكتلات الإسلامية للسيطرة على مقاليد الحكم وفق هذا النظام الديموقراطي الذي يعتمد مبدأ الأنتخابات وإستحقاقات الأغلبية . النتيجة المنطقية هي سيطرة أحزاب الإسلام السياسي والتي عبرت بوضوح مدى جهل وتخلف وعدم تحضر معظم شرائح المجتمع العراقي الذي انتخبها . فعندما تفوز أحزاب الإسلام السياسي في الإنتخابات فهذا دليل لا يقبل الشك بأن المجتمع العراقي في غالبيته متخلف ومتأخر في تكوينه وتفكيره وقراراته . وهذا ليس بغريب ، نسبة غير قليلة من المجتمع هم أميون وغير متعلمين ، ونسبة مهمة من المجتمع عاطلين يتوسلون بأية فرصة عمل بأي ثمن ، ونسبة كبيرة مغيبة لا تملك إرادتها مطلقاً ، فقط تربت على الخضوع والولاء المطلق لذلك المعمم أو رئيس العشيرة أو القبيلة ، أو لذلك المناضل الوهمي أو لتلك الشخصية التي دخلت السجن لأي سبب في مرحلة معينة لتستثمر بأنها شخصية مناضلة ،،،
النتيجة ، هي مجموعة أحزاب وأشخاص وعوائل ورموز معينة ( جميعها بدون أستثناء ) استولت على مقاليد الحكم في العراق ، وبذكائها سخرت كل مقومات الدولة وأمكاناتها المالية والمادية في خدمة مصالحها الذاتية ، وَمِمَّا ساعد في ذلك غباء وجهل معظم فئات المجتمع عموماً اللذين وفروا لهم هذه البيئة . من الغرابة أن يخرج العديد من المتظاهرين للتنديد بالواقع المتردي سواء بالبصرة أو غيرها وهم بالأساس من أوصل تلك الأحزاب والأشخاص لتدير شؤون البلاد . المشكلة فيكم أنتم أيها العراقيون الجهلة والمتخلفون ممن تعطون أصواتكم لجلاديكم . لا تلومون الجلادين اللذين أعطيتم أصواتكم لهم ولكن لوموا أنفسكم بإعتباركم أكثر جهلاً وتخلفاً من باقي مجتمعات العالم حتى المجتمعات البدائية .
إذاً ، العراق ، وفق كل المعطيات ، سائر نحو التخلف والتأخر وحتى نحو التناحر والتصادم بين فئات وطبقات المجتمع ، وسيكون النظام السائد خلال المرحلة القادمة هو سيادة النظام الحزبي والنظام العشائري الى جانب تأثير العصابات ومجموعات الجريمة المنظمة في إدارة بعض مفاصل الدولة .
الحل ، هو وعي مجتمعي عام .