23 ديسمبر، 2024 4:21 م

العراق مابعد سقوط سنجار..

العراق مابعد سقوط سنجار..

واقعا ان الانشطارات المتوالدة من رحم الأزمة العراقية ما بعد سقوط الموصل ماتزال تحمل في جنباتها الكثير من الإحداث والتداعيات التي تضع الخارطة العراقية في مقص التقسيم بواقعية التطبيق العملي , فسقوط الحدباء قد اسقط الكثير من النظريات والمخططات على طاولة التنفيذ, بعد إن باتت الأجزاء العالقة والمتعلقة من المدن العراقية وخصوصا في المقطع الشمالي والغربي منها في العراق هي الحديث القلق والمتعثر الأمني في الحفاظ عليها دون ان تكون قضية عودة نينوى الى القافلة العراقية , قضية الحاضر وفوهة التسديد لاثبات ان العراق ما يزال على قيد الحياة.

المد والامتداد الداعشي في العراق يبدوا انه يسير بوتيرة متصاعدة بالرغم من ان هنالك بعض الهزائم التي لحقت به جراء المواجهات مع القوات الحكومية وأفواج الحشد الشعبي التابعة لها, لكنها في حقيقة الامر تعد في قاموس الحسابات العسكرية معارك خاسرة, فالعدو مايزال ساكنا ومتمكنا في “أعلى التل “, فكانت احداث اليومين السابقين بما تمثل من سقوط سنجار وزمار بيد العصابات الارهابية مصداقا لوضع الجميع في المشهد, واشارة هامة يجب الالتفات لها في تسريح البصر بغية معرفة اين العراق من الخارطة, فسقوط تلك المدينتين ووصولا الى معبر ربيعة الحدودي والمتلاصق مع مدينة الحسكة السورية , قد ثبت ترسيم خارطة ما يسمى بتنظيم دولة العراق الإسلامية (الدولة الاسلامية في العراق والشام سابقا), وارسى قواعدها بشكل اكثر طمأنينة واطمئنان, بعد ان باتت تنثر بقعها فوق أراضي الماء والنفط , وهي ما تتميز به تلك المدن الحدودية العراقية, من جهة أخرى ان باكتمال رسم المسارات شمالا بدءا من اطراف مدينة تكريت مرورا بنينوى وتلاقيا مع المثلث العراقي التركي السوري, أصبح الشمال العراقي في تلك المناطق المحتلة من قبل داعش حديقة خلفية للعراق, ولذا فان الحديث عن قوة النار القادمة من بغداد يجب ان يعاد النظر في توجهيها وتعديلها بما ينسجم مع تلك الإحداثيات الظاهرة فوق السطح , وبالتالي ان الحلول لابد من تكتب في بغداد وتقرأ في اربيل وتطبع في المحافظات السنية وبخلاف ذلك فان العراق سيكون اكثر نزفا واستنزافا لموارد وارواح شعبه, وحتى نقف عند مجهر التحليل لماهية وابعاد مايجري الان, لابد من العطف

والمرور ببعض النقاط الهامة التي تدخل في عناصر المعادلة العراقية والعاصمة ستكون اولى المحطات.

بغداد

حقيقة ان بغداد وهي تغلق ابوابها مساء كل يوم خوفا ان تكون نسخة متكررة لما حدث في الموصل , غاطسة في مخاضها العسير مابين التوافق والاستحقاق والإصلاح السياسي ومابين امنها المفقود فيها والمستلب في أعالي شرفتها (المثلث السني), وبذلك فأن أطالة النزاع على كرسي رئاسة الوزراء خارج مدده الدستورية وبولاية “مالكية” ثالثة يعني إننا نهيئ المزيد من “الوجبات الدسمة” إلى أفواه داعش, ولذا نجد إن المرجعية الدينية في الجمعتين السابقتين بدت وكأنها اكثر صراحة وأبين تفصيلا من خلال مطالبتها في أصلاح سياسي يأتي أكله من خلال كابينة رئاسية تنفيذية مشفوعة بقبول وطني, وهو ما اشارت اليه صحيفة الواشنطن بوست اطراءا على خطاب مرجعية النجف الاشرف, لذا نستطيع القول أن أول الغيث يبدأ من ولاية ثالثة خارج أسوار المالكي , فيما تبقى المرحلة اللاحقة هي الاخطر لمن يكون في دكة المسؤولية والقرار , فأزمات الحاضر هي ترسبات لأرشيف سياسي امتد على طيلة اكثر من عشر سنوات, مما وضع البلاد في ردهات الإنعاش .

اربيل

كردستان دائما ما تتعامل مع بغداد بطريقة “الاستحصال والنزال ” بمعنى ان اربيل تبحث عن ضمانات لوجود خارطة كردستانية مسكوبة على الارض,وبالتالي ان الاكراد يحاولوا تحويل ازمة سقوط نينوى الى مكتسبات تصب في صالح الاقليم, وحقيقة ان افتقاد الضمانات وطريقة التعامل التي اعتمدتها حكومة بغداد طيلة الثمان سنوات , دفعت بهكذا مسارات في ستراتيجية البيت الكردي.

الموقف الاقليمي

بدأ ان المحور التركي السعودي القطري , وهو صاحب النظرية ومعسكر المتطوعين , يحاول ان يصنع من بغداد هوية سياسية بمقاسات ايديولوجية تنسجم مع طبيعة الانظمة في تلك الدول , وهو ماسعت اليه في ما بعد مرحلة 2003 , من خلال ايجاد قيادات سنية تكون دكاكين تسويقية لبضائعها السياسية في العراق , ولذا نجد ان الثالوث الاقليمي يحاول تعميق جراح العراق وسحبه الى واقع التقسيم , فداعش لم تستطع الوصول الى العراق بسيناريو اسقاط المدن لو لم تكن هنالك مغذيات وجسور ممتدة من عبر تلك الحدود.

الموقف الدولي

القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية , تتعامل مع العراق بطريقة “الباقي الاقوى ” , وليس مع بقاء وارساء نظام سياسي في العراق متقارب مع ايران, وبالتالي ان فوضى التصادم والاقتتال , يأتي ضمن سياقات المخطط الامريكي للمنطقة برمتها , من اجل استهلاكها وقتا واشغالها بصراعاتها الداخلية لتمرير ما تشتهي , فموقف واشنطن ما يزال يأخذ دور المرتقب , ومتى ما كان هنالك تعرضا حقيقا للمصالح القومية لها , سنجد انها سوف تفعل خطها السياسي واللوجستي وربما العسكري اذا ما تطلب الامر.

العراق .. المنعطف والاتجاه

في ختام تحليلنا السياسي نجد ان تقاطع البيانات فيه تتوجب علينا التوقف عند بعض المفاصل الهامة والنقاط الواجب تسليط الضوء عليها .

* ما يحدث في العراق الان من سقوط وتساقط لاجزاء الخارطة العراقية , هي ارادة اقليمية ودولية في بعض اجزاءها , نفذت بادوات داخلية تقسمت مابين قوى ارهاب وسياسيو سلطة, وبالتالي ان التفكير بعودة العراق الى جادة الطريق يتطلب ان يكون هنالك قيادة سياسية عراقية تتشابه في التوجه وتتشاطر في المعاناة ذاتها, قادرة على ايجاد خطاب سياسي لايثير حفيظة الشريك السياسي الاخر .

* ارساء عملية سياسية مستقرة تكون بمثابة الأرضية التي ممكن من خلالها ان ينطلق العقل الأمني والعسكري , لمعالجة ما يحدث ووضع الحلول لها.

* قوة النار او “طائر الجو” , لايمكن له ان يحقق الحسم مالم تكن هنالك حوارات في الداخل العراقي من اجل تطمين الجميع , وهو مايفرض ان تكون الرؤية الحكومية تسير بطريقين متوازيين , وهما البطاقة العسكرية والسياسية .

* المرحلة القادمة , وهي المرحلة التي تدخل في مرحلة تصفية الحساب وتحمل اخطاء الماضي, وهو ما يجعل القادم من الولاية الثالثة في مواجهة خطر التقسيم الذي اصبح واقعا مفروض على الارض .

* الانفتاح على الخارج الاقليمي والدولي وابداء المرونة في المواقف و الاحداث ازاء البعض منها , من شأنه ان يسهم في اعادة التوازن في معركة العراق ضد الارهاب.

* لايمكن الحديث عن تحرير وعودة المدن التي سقطت بيد الارهاب ما لم تكن هنالك ارادة وقدرة لدى سكان المدن المحتلة , بضرورة الخلاص من سطوة داعش.

* سقوط المدن , سيناريو سوف يتكرر ما بين الفينة والاخرى ,لضعف العقل الامني العراقي وما ينعكس عليه من صدى الجدار السياسي المتهشم.

* التقسيم الاحتمال الاقرب الى معطيات اليوم.