23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

العراق لعب الكبار .. لا يمين ولا يسار

العراق لعب الكبار .. لا يمين ولا يسار

لنفترض جدلا وعلى قول اهل العمائمية المتخذين اليمين وقول اهل العلمانية المتخذين اليسار والمتأرجحين الوسطاء اننا نعيش تحت ظل عباءة العملية السياسية وانها تسير في أطر الانظمة الديمقراطية بآلياتها الانتخابية وادواتها المؤسساتية وبفصل السلطات الثلاث فما الذي نحتاجة فعلا لكي يجري العراق لمستقر له وكيف يمكن ان نقرا الخطاب السياسي من خلال المؤتمرات والتحالفات والتبعيات باننا على اعتاب مرحلة جديدة اقسى مما قبلها تتخللها المؤامرات والتسويات ووصل الامر الى حد سياسة الانقلابات؟ وكيف نفسر متوالية الزيادة في الاحزاب والكتل والجماعات التي خارج نطاق سلطة الحكومة ومتى نصل الى اجل مسمى فلا نحتاج الى المشاريع في كل اربع من السنوات ولا الى تقلب الاوراق ومواثيق الشرف بين الزعماء من الاسياد والال والشيوخ والولاة؟ الكثير يتسائل متى الخلاص والثبات وما هي الحلقة المفقودة لكي نوقف كل هذا الخراب؟ أيجب علينا ان نتجه الى الشرق ونوالي دولة السيد الفقيه وامتداداتها ونبايع الاسلام السياسي ومحاوره ام علينا ان نتجه الى الغرب ونوالي دولة العم ترامب ونخضع الى استراتيجياتها او نمسك عصا الاتزان لا شرقية ولا غربية ونبقى في المنطقة الحائرة الوسطى وكل خطوة للأمام تتبعها خطوات للوراء الى جهل ومعتقدات وشعارات تستحضر من موروث التناقضات والايديولوجيات والاجندات لنتمسك بحبالها فلا نعيش واقعا حاضرا ولا نخطط لمستقبل آت لادامة تيجان الراس وعملية سياسية تدور خلف الكواليس في الخضراء والصفراء والحمراء والسوداء ورايات اخرى ستكون علينا في القادم اعظم بلاء؟ .

الكثير من الذين لا يحسنون غير التاويل والتنظير واتباعهم الناعقين واصحابهم المنتفعين لا يفقهون بان الصراع في المشهد العراقي قد عبر مرحلة المعترك السياسي الى مستوى الصراع على السلطة واخواتها “النفوذ والاستيلاء” ولا يمكن وصفه باي شكل من الاشكال بانه صراع فكري بين يمين احزاب الاسلام السياسي وبين يسار الاحزاب العلمانية وهذا لا يحتاج الى قراءة مستفيضة ولا تحليل عميق فالجميع يتحالف ويتفاهم ويتزاور بعضهم يريد فتح الانسدادات المستعصية وتقسيم المناصب وبعضهم يتحالف مع تيار لا يلتقي معه ايديولوجيا ولا عقائديا وبعضهم يطرح التسويات والى ما لا نعلمه من المشاريع الداخلية والخارجية وهذه دلالة على عدم وجود اي ملامح ولو تكتيكية للمرحلة القادمة؛ والانتخابات حتى وان جرت ضمن اجواء اعتيادية فلن تكون لها اهمية تذكر من خلال تلك الممارسات والاعراف التقليدية ولا بد من التاسيس لخارطة طريق تكون بمستوى المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة والمحاور الاقليمية التي استحوذت على العراق واتخذته ساحة للتكالب والتحارب وان كان هذا على ارض البلاء ليس بجديد؛ وعلى اصحاب اليمين من المتأسلمين الذين يطرحون الاسلام ضرورة للحل ان يعلنوا للملأ من الذي يمثل الاسلام اليوم وهو لم يستطيع ان يمثل نفسه قبل اربعة عشر قرنا من الان فما بالك وهذه المذاهب والعقائد والجماعات والحركات والمؤسسات الدينية واركانها وتعدد المرجعيات وتلك الشعائر وعدادات التجهيل والمليونيات المتمسكة وخطاب المواعظ الساذج والالقاب القدسية والاتباع والتقليد ناهيك عن الموروث الموبوء والاختلاف الفقهي والعقائدي في الاحكام الدينية والحقوق الشرعية؛ فان كانوا قادرين على تمثيل انفسهم فعليهم ان يجتمعوا على كلمة سواء او منهج ثابت ورصين سيكون على العامة ان يتبعوه؛ منهج كافي الكليني ام صحيح البخاري ايهم احسن حديثا؟ ام سنتبع الفرقة الناجية وهي بلا عنوان ولا مسمى ونكون من الناجين ام علينا ان ننتظر العابد الصالح لنركب سفينة النجاة ويكون احكم الحاكمين من الاولين والاخرين؟ ولن ينتهي هذا الخلط العقيم الا بانقلاب فكري حضاري مهول وعظيم؛ وبين الوقائع التاريخية والمعطيات الانية سيكون قيام دولة دينية لتحتوي الاديان والعقائد الاخرى كارثة بيئية فلمن ستكون مرجعيتها للولاية ام للخلافة واين ستكون حدودها وهي لا تبايع وطن وتلغي الحدود وبأي مشروع ستحكم ونحن في تجربة مريرة مع الاسلام السياسي والفشل والفساد وادعياء لا يمكن ان يكونوا رجال دولة وانما دعاة سلطان وعروش وثروات بلا حساب؛ وفي المقابل يعلن ما يسمى بتحالف اليسار عن المؤتمرات لتجميع احزابهم وتياراتهم وفق رؤية واحدة لدخول العملية السياسية ضمن الية الانتخابات وحالهم في ذلك كحال اليمين عليهم ان يعرفوا انفسهم قبل التعريف بمسمياتهم وان يعلنوا ايضا من الذي يمثلهم هل هم اصحاب الراية الحمراء وشعار المنجل والجاكوج وشعارات لا يعلم احد مصدرها وما الذي تحقق منها (يا عمال العالم اتحدوا) ولم نشهد على عهدنا اي اتحاد بين العمال فهل رايتم العامل العراقي قد اتحد مع العامل الياباني مثلا او انه اتحد مع البنغالي المستورد ليحل محله وينافسه على الخبزة؛ فلا يمكن تاسيس مشروع دولة علمانية بدون ان تكون هناك هوية شعبية واضحة ترتبط بهذا المفهوم وبدون اليات واقعية واضحة وصريحة لكي تثبت وجودها كمحور مؤثر مع وجود كل هذا التحشيد العسكري والجماعات التي اسرت نفسها باجندات لا طاقة لهم باستيعابها وبالتالي ستضطر الى التصادم معها وهم لا يمتلكون اي ادوات تعبوية تمكنهم من ذلك؛ ومع تعدد تلك التيارات وهي ليست كظاهرها تيار مدني وتيار ديمقراطي او ليبرالي او تيار اجتماعي فلن يكون هناك يسار له شخصية تخرج عن النمط السياسي وتنقلب عليه وستبقى غارقة في سرد جدلياتها وحواراتها المكررة ومشتركاتها التي يختلفون عليها ولا يستطيعون ان يخرجوا منها ومغادرتها فليس من المنطق التعويل على يسار وهو يهادن ويتحالف من الباطن ويتزاور مع زعامات الاسلام السياسي فيختلط اليمين مع اليسار ويدور التخبط والفشل في تلك الحلقة من الافترار؛ وعلى اصحاب اليسار ان ينقذوا انفسهم اولا من ذلك الاهتراء لكي يمكنهم انقاذ شعبا صار خائبا مفارقا ويحن الى الوراء.

ويبدو في الاغلب الظاهر ان الخارطة السياسية العراقية اليوم اصبحت على طاولات الكبار وبكل شفافية وهي خاضعة لمتغيرات جيوسياسية مفصلية ولا مكان للصغار فيها وان الصراع في العراق قد تم تصعيده الى مستوى اخر يتجاوز

الصراع الداخلي بين المكونات وبين من يمثلهم من الزعامات والقيادات باختلاف انواعهم واجناسهم وقد اصبحوا مجرد ادوات ليس الا وما تحركاتهم ذات اليمين وذات اليسار الا لاثبات الوجود خوفا من المتغيرات حيث بدأوا منذ الان يتهيأون للقادم من خلال رسم حدوديات سلطاتهم وتسويرها بالخطوط الحمراء فيلقوا الخطاب جهرا بان تلك هي حدود عروشنا فلا تقربوها ومن تسول له نفسه فسيصلى نار ذات لهب وسيكون على تحشيداتهم التي تدعمهم ان تحميها ليكون الامر واقع حال يتوائم مع ما لا يمكن استقراءه من مخطط مزدوج يعد لمشروع عراق ما بعد داعش وهذا بالطبع لن يكون كما يتصور العامة من الناس بين ليلة وضحاها فعصا موسى السحرية لا زالت غير جاهزة تماما لرسم الخارطة الجديدة ولا يبدو انها ستكون كما تأسست عام 2003 ومن يريد منكم العاجلة عليه ان يشكل محور معارضة تعبوية واضحة الخطاب احادية المحور منقلبة على كل ما تأسس ولا يدخل حلبات الاعتراك السياسية والدينية والعشائرية؛ وخلاف ذلك فلا توجد فرصة للتحرك ضمن مشروع عراقي يوحد الخطاب والشعار بالاعتماد على ما موجود من قوى اليمين او اليسار وهي مشغولة بما يمكن الحصول عليه من المغانم والمناصب فالمخطط المرسوم اصبح بين محوري السيد الولي والعم ترامب وكلاهما يسير برؤية واحدة “من ليس معي فهو ضدي” ولا بد من الاختيار فاما ان تبقى مؤمنا بان لامناص ولا منات من التمسك بالولاة والخلفاء؛ او تراجع النفس لكي تتمسك بالحياة وان هي الا فرصة كبرى لكي تنهض من السبات .

وعلى الذين يتساءلون من حيرة وخيبة اين الشعب من كل تلك الاقدار والاهوال ولما العراق ساخط فلا امن فيه ولا استقرار؛ عليهم ان يعلموا علم اليقين بان ما من حكومة مرت على هذه الارض الا وخابت في ان تبني دولة في العراق اما اليوم فلابد من الاستدراك بان الديمقراطية ليست دولة بالمعنى الاصطلاحي وانما هي نظام حكم لتداول السلطة بطريقة متحضرة وهي ليست كافية لتأسيس مرتكزات الدولة وهي الحلقة الاصعب في البناء لان حصيلتها ستزيل كل ما دونها من السلطات وهذا بالطبع سيطيح بالعروش والزعامات وأني اتفق بالرؤية تماما مع كتاب الحقيقة وهم قليلون فالدولة هي الكيان الذي عليه ان يحتوي الجميع ماديا ويغادر الكل عقائديا وان تكون قواعدها الاساسية هي الحكم الرشيد والاقتصاد والانسان وان تضع الخطط التنموية التكتيكية والاستراتيجية لكي تسير في مسبار زمني يبدأ من نقطة شروع الى غاية معلومة فيرتقي معها الشعب في السلوك والتمدن والانتاج ؛ فهل نحن اليوم في دولة ام في حكومة غير قادرة على ان تحكم نفسها؛ وهل شخصتم رجال دولة ام دعاة سلطة سياسية وسلطة دينية وسلطة عشائرية تحكم العراق منذ التاسيس والى الان؛ فأن لا زلتم في ريب مما اسلفنا فاعلموا ان ارض السواد كانت ولا زالت تبحث عن شعب العراق .