كثيراً ما يجري الحديث عن موضوع التنمية وكيف يمكن أن يجتاز العراق ما يمر به من تخلف اقتصادي وتنمية بشرية وتطور مدني. فالشعب العراقي يأن من تلكأ الخدمات على كافة المستويات، وما التحرك الشعبي الذي التهب مع حرارة تموز في محافظات جنوب العراق إلا دليل على هذه التدهور الذي يشعر به المواطن، فانتفض يطالب بحقوقه. فجيش شباب العاطلين في المدن يطالبون بفرص العمل وهذا حقهم الطبيعي، وأن مادة الثورات دائما ما تكون من هذه الطبقة التي إن لم تشارك في ساحات العمل فإنها سوف تشعل الساحات السياسية وتقلب الطاولة على الجميع.
يخرج علينا من يرددون شعارات البنك الدولي بأن العراق يحتاج الى موارد مالية كبرى وخبرات بشرية للنهوض بالتنمية للوصول الى مصاف الدول النامية الكبرى في العالم على مستوى تركيا وماليزيا مثلاً. ولهذا فالحل الأمثل لدى هذه الفئة من “إعلامي الاقتصاد” الذين يوصفون بالمفكرين والفطاحل يتلخص بثلاثة أعمدة يستندون على عملية التنمية (البنكوية الدولية) وهي:
أولاً: تشجيع الاستثمارات الأجنبية في جميع القطاعات الاقتصادية وزيادة الضرائب على المواطنين.
ثانياً: الاعتماد على القروض لتسديد مشاريع البنى التحتية بأسرع وقت ممكن.
ثالثاً: خصخصة جميع قطاع الخدمات الحكومية وتقليص نشاط الدولة الخدمي الى أقل قدر ممكن.
ولكن جميع هذه الحلول قائمة على فرضيات خاطئة إلا وهي قلة الموارد المالية والبشرية في البلدان النامية. فالعراق لا تنقصه الموارد الازمة لدفع عملية التنمية وبدون المساعدات الخارجية. ففي خلال الخمسة عشر الماضية، مجموع الموارد المالية منذ عام 2003 ولحد هذا العام تجاوزت أكثر من ترليون دولار، حوالي 1200 مليار دولار وكثير من الخردة (أنظر الجدول أدناه). فالعراق في الواقع يمر بتخمة مالية عظمى علينا ترشيقها، لأن التخمة المالية في أي اقتصاد دولة إنما تؤدي الى الفساد المالي في النظام السياسي. ولهذا تلجأ الدول المصابة بالتخم المالية الى إنشاء صناديق توفير سيادية تخزن فيها “شحوم” الأموال المتراكمة واستثمارها للأجيال القادمة.
السنة
مليار $
2003
14
2004
18
2005
26
2006
34
2007
42
2008
70
2009
74
2010
75
2011
84
2012
101
2013
130
2014
146
2015
105
2016
98
2017
68
2018
110
المجموع
مليار دولار 1,195
الملاحظ من الجدول أعلاه أن التخمة المالية استمرت على نفس المنوال حتى خلال أعوام الحرب على دولة داعش. فقد كان لدى العراق ما يقارب من 420 مليار دولار من عام 2014 وحتى 2017. وبربع هذا الموارد المالية يمكن تمويل حتى حرب شمولية على غرار حرب فيتنام. إن النهضة العمرانية والمدنية والاقتصادية للإمارات العربية لم تتجاوز كلفتها المائة مليار بقليل خلال عشرة أعوام (من 1998-2008).
كما أن العراق لديه من الموارد البشرية (العمالية ومن ذوي الخبرة في شتى المجالات) في الداخل والخارج ما يمكن بناء دول على مستوى الدول العظمى في العالم (فقد أثبتوا قدراتهم في المشاركة في بناء تلك الدول العظمى). فليس العراق بحاجة الى (راتشيتات) المنظمات الدولية وبنوكها، ولكن بحاجة الى برامج تنموية واستراتيجيات عملية وإدارة حازمة كفؤة للدفع بعملية التنمية. فإن الراتشيتات الدولية للتنمية إنما هي علاجات تعطي أدوية غير صالحة للاستعمال منتهية الصلاحية في البيئة الاقتصادية للدول النامية، وعلينا رفضها، لأنه هي الداءُ! وكما صرحت به رئيسة كرواتيا: أفضل أن تعيش بلدنا على الخبز على أن نقترض من البنك الدولي.