في عراق مثقل بالهموم والنزاعات، والرؤوس المقطوعة، والعنف المتنقل، بين أفكار الساسة، يتوزع الألم على مفاصل حياة العراقيين، في ضوء هذه الصور، إضافة الى أن المجتمع، يعاني أمراضاً وأوبئة إستوطنت عقله، بسبب الفساد السياسي، المرهون بالمفاسد الاقتصادية والإجتماعية، التي باتت الشغل الشاغل، لكثير من الساسة المرتزقة، أما الشعب المسكين، فجنون فساد مجتمعه، يقوده الى الكتابة بعقلانية، عن أسباب هذا المرض العضال، وطرق علاجه في العراق!
السياسي الفاسد ينظر اليه المقربون منه، وكأنه قديس يجيء الناس إليه، للإعتراف بذنوبهم، لأنه أرخص بكثير، من الذهاب الى عدة جلسات مكلفة، عند عيادة طبيب نفساني، ويمكن أن تفضح خبائثه سهواً أو عمداً، عليه يصبح الطبيب حجر عثرة وحيد أمامه، فلابد من وأد شهادته، ثم يزداد السياسي المتغطرس تعجرفاً، فيمشي على أجساد الناس، بدلاً من الرصيف المخصص للمارة، وهذه الصورة تنطبق تماماً على فاسدي العراق!
تساؤلات يغلب عليها الضياع، لعدم وجود أجوبة شافية، لحالة التقاعس السياسي، عن حل مشكلات البلد، بسبب الثقافات المستوردة، التي تمثل مصالح بعض الساسة الطارئين، وأحزابهم الفئوية، في زمن سقوط الهوية والإنتماء عنهم، فما يلائم روح عصر فسادهم، هو التخلي عن عراقيتهم من أجل مكاسبهم، وكأن واحداً منهم، يتنظر أخذ الثأر من أخيه، دون أن يرتكب بحقة أية جريمة تذكر، لكنه جنون يدفعه، لخرق سفينة العراق!
أسوأ قضية يمكن أن تطرح، على الساحة السياسية في الوقت الراهن، كون حقيقتها تسويف للعقل العراقي، وهدر للمال العام، وباب من أبواب الفساد، هي المصالحة الوطنية، وما يصرف عليها من أموال، كان الأجدر بالحكومة صرفها، على الحشد الشعبي والنازحين، دون التوسل بالموازنة الإتحادية، لكي تستقر وتعاد هيبتها، دون المساس برواتب الموظفين والمتقاعدين، وسنغلق باباً من أبواب الطائفية، التي زرعها دواعش الإرهاب، وساسة الفساد في العراق!
هناك مفاهيم وفدت الينا، مع توافد التجربة الديمقراطية الجديدة، كالنزاهة، والشفافية، والحرية، ولكنها وفق وجهات نظر الفاسدين ليست كذلك، حيث لا مجال للنوم، في خريف السياسة العراقية، وتساقط الأقنعة فيها كأنها المطر، ثم أنه لا شيء جديد قد يأتي، تحت حرارة العنف الداعشي سوى الموت، عليه يجد السراق والفاسدون، أنفسهم داخل صندوق مشوه الولادة، فيفقد الشعب جنونه، ويتكلم القلم، لذا لا حرية إلا مع العراق!
يقول الشاعر العراقي الكبير، محمد مهدي البصير: (العراقيون ليسوا حشوداً من الناس، جمعتهم الظروف، على ظهر باخرة عراقية كبيرة، فكانوا مكونات أو طوائف، كما يحلو لبعض الطارئين تسميتها، إنما هو بقعة مباركة، وأرض مقدسة، شعبها معطاء، لم ولن ينهي حساباته مع التأريخ، لأنه مَنْ صنع التأريخ، أما حشود الأقنعة السياسية الزائفة، فهي كائنات هزيلة، لأن أجمل ما في جنون الشعب العاقل، جنونه بقضية، إسمها العراق!