23 ديسمبر، 2024 2:33 م

العراق قبل ان يمضي لطريق اللاعودة  

العراق قبل ان يمضي لطريق اللاعودة  

انقضت اربعة اشهر طويلة على تظاهرات المناطق الغربية والشمالية كما يحب ان يسميها البعض هربا من حقيقة تسميتها بالتظاهرات السنية او الانتفاضة السنية للمطالبة بما يسميه المتظاهرون حقوقهم المسلوبة التي تتعدد وتتسع من مكان لأخر ومن ساحة لأخرى وبين جهة وأخرى ، ويختلف الاعتراف والإنكار لها من القوى السياسية والطبقات الاجتماعية العراقية الاخرى تبعا لذلك  وتبعا لاقترابها وتعارضها مع المزاج العام لتلك القوى وتلك الطبقات  كنتاج حتمي لعراق انقسم على نفسه ويزداد انقساما بمعدلات لم تشهد لها الخرائط  الجيوسياسية مثيلا ، واختفى السبب المباشر الذي ادى الى انطلاقها ولم يعد له وزن يذكر في اسباب استمرارها وديمومتها ان بسبب تقدم اولويات اخرى عليه او بسبب زهد اصحابه عن ادراجه على رأس الاولويات وهو قطعا اعتقال حماية وزير المالية المستقيل راع العيساوي .
اربعة اشهر ونيف كانت تكفي في كل جمعة ان يحبس العراقيون انفاسهم خشية ان تندلع شرارة انتقال السيناريو السوري الاسود الى العراق الذي غرق في اللبننة وتجاوزها انقساما بعد عشر سنوات من سقوط نظام البعث وسنتين من رحيل الاحتلال الذي اسقط ذلك النظام ويبدو انه فر بجلده من تعقيدات الوضع العراقي وعجزه ان يرسي نظاما مستقرا بديلا عنه ، تاركا وديعة الرئيس بوش بيد العراقيين ليحلو اشكاليتها بأنفسهم ، في وضع دولي وإقليمي اكثر تعقيدا وأكثر تداخلا وتأثيرا في الساحة العراقية مما كانت عليه عشية الغزو الامريكي عام 2003.
لا اعتقد ان احدا ولا قيادات التظاهرات انفسهم يستطيعوا الجزم ان هذه التظاهرات تمثل كل المكون السني بشكل مطلق ، لان طيفا واسعا من هذا المكون لا يزال في الحكومة والبرلمان ولا يزال يعمل ضد هذه التظاهرات في الشارع ان سياسيا كنواب وأعضاء مجالس محافظات ووجهاء وان امنيا كمخبرين وصحوات ومتطوعين لاي حل عسكري قد تقدم عليه الحكومة  كل لغاية في نفسه هو ، نعم لا توجد نسب دقيقة لمؤيدي الفريقين لكنها موجودة وتزداد وتنخفض قوة اي منها طبقا لاختلاف مراكز القوى بين الطرفين المتظاهرون والحكوميون وان كنت ممن لا يشك ان المتظاهرين ومن معهم من مرجعيات دينية وقوى سياسية وقوى مسلحة بعضها انتمى لمشروع المقاومة وهو يعيد تنظيم صفوفه الان لمعركة الدفاع عن المكون وبعضها انتمى ولايزال لمشروع الارهاب بحجة الانتصاف للمكون او بحجة استعادة الوطن من خلال السلطة من عملاء وأذناب المحتل بحسب ما يزعم ،  مقدمة ذلك اكثر من مؤشر لاقتراب خروج الشارع السني طائعا او مجبرا خارج العملية السياسية التي لم تعده القوى الوطنية والمحتل والمجتمع الدولي اليها الا بشق الانفس ، جارا البلد معه – ان خرج  – الى طريق اللاعودة بما لا يمكن تصوره من الخسائر البشرية التي يغني التفكر بها التفكير باية خسائر اخرى .
  تزامن انطلاق التظاهرات مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية (20/4/2013 ) ووصولها لذروتها مع انطلاق  الحملات الاعلامية ولآخر يوم دعائي قبيل الانتخابات  ادى الى تسخين الجو السياسي العراقي لحده الاعلى ليس بين قطبي المعادلة المتظاهرون والحكومة  او رئيسها تحديدا ، وإنما الجو السياسي عموما حتى لكأنها غطت على كل الملفات الاخرى الذي كان يجب ان تكون اكثر حضورا في انتخابات محلية ذات طابع خدمي اصلا ، وتبعا لذلك  فان احدا لم يتوقع ان يقدم رئيس الحكومة الذي بدا واضحا ان التظاهرات اعتبرته الد الخصام  على تقديم تنازل ذي قيمة للمتظاهرين قبل الانتخابات تحسبا ان يودي  ذلك بجزء من شعبيته في الشارع الانتخابي الشيعي الذي اضطر هذه المرة الى الاعتماد عليه وحده على العكس من انتخابات 2009 ، في وقت ادرك المحترفون جميعا ان الشارع السياسي المستعد للانتخابات لن يضيع مثل هذه الفرصة لتسخين عضلاته الطائفية التي فترت  كثيرا في الفترة التي سبقت انتخابات 2009 المحلية  ، وبما لا يحسب حجة عليه من قبل منافسيه المتربصين فيه بنفس الشارع والذين كانت الازمة بينه وبين المحافظات السنية فرصة استثمار مهمة بالنسبة لهم هم ايضا طالما انها وفرت فرصة للضغط على زعيم غريم لم تستقر الشراكة معه عند سقف ثابت ، فحاول زعيم التيار الصدري اتخاذ خطوات براغماتية مهمة لتقديم نفسه راع لمشروع وطني مستغلا مكانته الدينية والسياسية لكن التسخين الطائفي الذي استدعته بعض الشعارات غير المسئولة  التي خرجت من ساحات الاعتصام وضيق الحيز الزمني لم تدعه ينجح في ذلك لا في الشارع الشيعي الذي لم يتفاعل معه لاعتقاد جزء كبيرة منه انما يقوم بذلك نكاية بالمالكي ولا الشارع السني الذي اعتبر الخطوات اكثر من خجولة ولم تقدم شيئا ذي قيمة خاصة مع انتفاض التيار ضد قرار الحكومة بإجراء تعديلات نسبية على قانون المساءلة والعدالة الذي مررته الحكومة في محاولة لتقديم فرصة منافسة مهمة للشريك الجديد صالح المطلك ، ولكن الحق يقال ان موقف الزعيم في لجم مليشيا التيار وجمهوره المتحمس عن الرد عن اي من الضربات النوعية التي قامت بها قاعدة العراق لاستدراج الشارعين المحاذيين لأطراف الازمة السياسية لاحتراب طائفي كان اهم المواقف التي يمكن ان يشار لها في استذكار مراحل  هذه الازمة .

من جهة اخرى لم يكن احد يتوقع ان يتراجع المتظاهرون وقياداتهم السياسية والدينية الى السقف الذي يمكن ان يعتبره الشركاء الاخرون في الوطن مشروعا جراء هذا التزامن مع الانتخابات ورغبتهم العارمة في قض مضاجع المالكي وائتلافه الانتخابي للحد الاقصى وهو الامر الذي زاد احتمالية انفجار الوضع الى اعلى درجاتها خاصة بعد التصعيد الذي اعتمده المالكي للتسخين الانتخابي كما بدا في اخر ايام جولته الانتخابية   خاصة بعد وصفه للمتظاهرين بالمتمردين بعد فترة هدوء نسبي لثقة الطرفان معا ان لاشيء سيحدث قبل الانتخابات الامر الذي لايزال يلقي بضلال قاتمة على المشهد للساعة  بعد عدم تفويت الساحات تلك السقطة الانتخابية  للتصعيد المضاد من قبلها حتى بعد اجراء الانتخابات .
ما اعتقده ان جزءا كبيرا من الطبقة البرجوازية الوسطى وخاصة الشيعية التي وضعت المالكي في المقدمة بتفوق بارز في اخر دورتي انتخاب محلية وبرلمانية قبل هذه قد انحسرت وحلت محلها  طبقة شيعية محافظة استدعاها الاستعار الطائفي ليكون المالكي قد خسر كثيرا على مستوى الكم والنوع  بسبب هذه الازمة رغم ان ائتلافه  لا يزال الحصان الرابح  على قائمة التوقعات وان كان ليس بالتفوق البعيد الذي كان عليه في اخر انتخابات محلية عام 2009 مما سيفرض عليه خيارات صعبة وحساسة في التعاطي مع ازمة التظاهرات ، تلك الخسارة بسبب مواقف متشددة نسبيا ازاء التظاهرات الحقت بالمقابل من ذلك خسارة مشابهة في الهامش الانتخابي في صفوف التيار الصدري جراء مواقفه المرنة  نسبيا من نفس القضية الامر الذي يعكس مزاجا عراقيا معقدا يجعل ممن يتعامل معه بتصدي بحاجة الى حكمة ولي وعقل داهية خبير  ، ويبدو لي ان السيد عمار الحكيم كان الاكثر احترافا في التعامل مع هذه الازمة في البيت الشيعي وان كنت اعتقد ان موقفه منها لم يكن مصطنعا بقدر ما كان استمرار لنهجه المهادن مع الجميع حتى بعد ان اقصي تماما عن معادلة تشكيل حكومة انتخابات 2010 التي تعيش عامها الاخير بوضع اكثر تصدعا من المشهد الذي سبق تشكيلها ولذا فانه استطاع ان يعيد تأثيث بيته السياسي والانتخابي ويتقدم بشكل متوقع وملحوظ في اعلان النتائج الاولية للانتخابات لتعويض خسائره الهائلة في اخر عمليتي انتخاب على المستوى المحلي عام 2009 وعلى مستوى البرلمان عام 2010 مما يعطيه مركزا مهما في رسم خارطة المشهد والقرار المقبل .
واذا اسقطنا فرضية تأثير الانتخابات المحلية في اقليم كردستان حتى مع فرضية ان ان تكون جرت مع في نفس توقيت انتخابات العراق وهو ما يجب ان يكون  على حجم التمثيل والوزن الكردي في المركز ، فان انتخابات المحافظات السنية لم تقدم لنا للان الوزن السياسي  السني القادم للتنافس في المركز بسبب تعطيل انتخابات محافظتي الانبار ونينوى اللذين عادة ما كان يأتي منهما الثقل السني الاساس الى المركز خاصة بعد مغادرة  الرقم البغدادي الاهم السيد طارق الهاشمي للساحة مضطرا بسبب ما اثير ضده من قضايا جنائية ، وان كنا عموما نتوقع ان يتقدم ائتلاف متحدون على بقية الائتلافات السنية الان وبعد اجراء انتخابات الانبار ونينوى .

انتهت الانتخابات  المحلية نسبيا اذا ، وحيث يفترض ان يعود الجو السياسي الى الهدوء النسبي الا ان التصعيد بين ساحات الاعتصام والحكومة لم يزل مستمرا بل انه اصبح ينذر اكثر من اي وقت مضى بانزلاق الوضع العراقي الى السيناريو السوري المر وقطعا فانه سيكون اسوأ منه بكثير طبقا لمعطيات وتعقيدات هذا الوضع ، الامر الذي بات  يفرض اكثر من اي وقت مضى على القوى السياسية العراقية وقبلها القيادات الدينية والاجتماعية البحث الجاد للخروج بموقف يحفظ ماء الوجه لكل اطراف الازمة والأكثر ان يضمن بعض الاستقرار وفرصة للعراقيين المحايدين لالتقاط انفسهم بعد عشر سنوات من الدم والحرائق والأزمات والمضي بهدوء لانتخابات 2014 التي قطعا هي اخر فرصة لإثبات التزام العراقيين بالديمقراطية خيارا لتداول السلطة لخارطة وشعب وسيادة لوطن اسمه العراق .
اذا اعترفنا مرة اخرى ان فرصة الاستثمار في الازمة بين المتظاهرين والحكومة وتحديدا بينهم وبين الرئيس المالكي يفترض ان تكون قد انتهت مبرراتها الان بالنسبة للغرماء السياسيين على عموم الخارطة  العراقية ، وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار منطلقا ثابتا من جهة المتظاهرين هو ان الحكومة غير جادة ولا راغبة ان تعيد لهم حقوقهم او اي سقف معقول منها يقابله منطلق ثابت اخر من جهة الحكومة هو ان  التظاهرات لا تستهدف تحقيق اية مطالب مشروعة او معقولة بقدر ما تمثل من اجندات سياسية داخلية وخارجية لتقويض العملية السياسية وإعادة معادلة السلطة الى ما قبل عام 2003 فأين هي بقية القيادات الدنية والسياسية العراقية وأين هي مسؤوليتها الاخلاقية ازاء ما ينتظر البلد عموما وهي لن تكون بعيدة عنه من زلزال مدمر لا يبقي ولا يذر وهي لقادرة وبكل سهولة ويسر ان تضع الحكومة والمتظاهرين معا امام خارطة حل بل وتفرضها عليهم فرضا بما تمتلك  من وزن ديني واجتماعي وسياسي وحكومي وبرلماني ، بعبارة اكثر صراحة  الا تمتلك مرجعية النجف الاشرف ممثلة برأسها الاعلى السيد السيستاني الذي كان الطرف الاكثر هدوءا وتوازنا في المعادلة العراقية معضدا بالمرجعيات السنية الرئيسة التي انخرطت في خط الازمة تهدئة  ثم انجرفت او انجرف بعض منها  للتباري مع الشارع السياسي في التصعيد حشدا ورصا لصفوف ابناء المكون انتظار لمعركة ام المخازي بين اهل العراق وأهل العراق لسبب تافه هو عدم كفاءة القوى السياسية او قدرتها على الاتفاق لخارطة ادارة بلاد خيره يفيض عن حاجة اهله عشرين مرة .
 ما الذي يمنع القادة السياسيون من عقد اجتماع تداولي يشمل من بين من يشمل السادة البارزاني و الصدر و الحكيم و النجيفي والمطلك والعيساوي والكربولي .. وهم كما قلنا يمتلكون وزنا برلمانيا ووزنا داخل الكابينة التنفيذية لتمرير المشروع من مطالب المتظاهرين او ما يمكن تمريره منها ضمن سقف التوازنات الحالي وضمن السقف الوطني الذي يشتركون في رسم افقه العام وبزعمي فان السيد المالكي سيكون اول المرحبين بذلك وسوف لن يتردد ان يهلل له كل اهل المطالب والمظالم في ساحات التظاهر والاعتصام ، ام تراهم يحسبون ان المركب ان غرق لا سامح الله سوف يغرق بالمالكي والمتظاهرين فقط .
[email protected]