بافل ميخايلوفيتش تريتياكوف ( 1832 – 1898 ) – واحد من أشهر التجار الاغنياء الروس في القرن التاسع عشر , وقد كان عاشقا للفن التشكيلي الروسي , وكانت هوايته جمع لوحات الرسامين الروس الكبار في ذلك الوقت , وعندما اصبح عدد هذه اللوحات التي اقتناها كبيرا , قرر ان يبني لها بناية خاصة لعرضها والحفاظ عليها , وقد بنى فعلا هذه البناية ثم اهداها مع ما تحتوي من لوحات عام 2188 الى مجلس الدوما في مدينة موسكو , وقررت هيئة هذا المجلس ان تطلق على قاعة العرض هذه اسمه ومنحته لقب – مواطن الشرف لمدينة موسكو , وتم تعيينه مديرا لتلك القاعة مدى الحياة , بل ان آخر كلمة له قالها للمحيطين به قبل وفاته هي – حافظوا على قاعة العرض هذه . وهكذا اصبحت قاعة ( تريتياكوفسكايا غاليريا ) بلوحاتها الرائعة واحدة من معالم موسكو التاريخية الجميلة , واحدى اهم متاحفها لحد الان , وقد توسعت هذه المؤسسة الفنية طبعا بمرور الوقت وتم افتتاح عدة فروع لها , ومن ابرز تلك البنايات التي اضيفت لها بناية فخمة بعدة طوابق مليئة بالمعارض الدائمة او المؤقتة والتي تغص باللوحات الفنية من كل ارجاء روسيا والعالم , وقد استلمت دعوة لحضور افتتاح معرض في الطابق الثالث من تلك القاعة الشهيرة ضمن الاسبوع الروسي للفن , الذي ينظمه الاتحاد الدولي لدعم الفنانين , والذي يشارك فيه فنان تشكيلي عراقي شاب اسمه حسين الجمعان , حيث يعرض عدة لوحات له , ومن ضمنها لوحة بعنوان – صرخة حمورابي ضد الارهاب , والتي قدمها للمشاركة في مسابقة دولية للحصول على احدى الجوائز . ذهبت طبعا الى هذا المعرض بكل سرور , ووقفت الى جانب هذا الفنان التشكيلي العراقي الشاب الشجاع مؤيدا ومساندا ومشجعا مع مجموعة كبيرة من العراقيين وعلى رأسهم السيد سفير العراق في موسكو, والذي ألقى كلمة في بداية افتتاح المعرض اشاد فيها بالفنان العراقي حسين الجمعان ومساهمته في هذا المعرض وتكلم عن موقف العراق من الفن منذ حضارات وادي الرافدين العريقة وحتى الوقت الحاضر , وامتدح لوحتة عن حمورابي معتبرا اياها نموذجية في طرحها لموضوع قائم امام البشرية جمعاء وهو – النضال ضد الارهاب , وربط كل ذلك بموقف الدولة العراقية الحالي في هذا الشان, وهي التفاتة ذكية وحاذقة بالطبع يجيدها الدبلوماسيون الكبار عادة لطرح افكارهم وعرض وجهات نظرالدول التي يمثلونها , اضافة الى ان حضور السيد السفير شخصيا الى المعرض يعد – بلا شك – دعما ممتازا للفنان التشكيلي العراقي الشاب حسين الجمعان واسنادا رسميا لمشاركته باسم العراق في هذه الفعالية الفنية الكبيرة والفريدة , ثم تكلم سفير ابخازيا عن مساهمة بلاده في هذا المعرض وأشاد ايضا بالفنان الابخازي الذي عرض لوحات تدعو الى التعايش السلمي بين الشعوب , ثم تحدث رئيس الاتحاد الدولي للفنانين عن هدف المعرض وهكذا ابتدا الحاضرون بالتعرٌف على اللوحات وسط اجواء من الموسيقى الجميلة , وقد تاملت انا بالطبع لوحات هذا الرسام الشاب العراقي المتحمس للفن التشكيلي والفخور- بتواضع – بما انجزه من لوحات , والذي رفع هناك علم العراق جنبا لجنب مع اعلام دول اخرى , ووقفت طويلا عند لوحاته العديدة وابديت اعجابي بعدة لوحات تستخدم الحروف العربية الغريبة بالنسبة للمشاهدين الاجانب وتعكس روح الشرق الساحرة والمدهشة الجمال , وهو اسلوب شائع في الفن التشكيلي العراقي كما هو معروف , وشاهدت لوحات اخرى له يتناول فيها الخيول العربية وتلك الاجواء المرتبطة بها , ولاحظت لوحة يوجد فيها وجه امرأة موشٌح بالسواد, فقال لي الرسام انها رمز للحزن الذي يسود الان في وطني , وتوقفت بالطبع عند لوحته بعنوان – صرخة حمورابي ضد الارهاب , ولكن هذه اللوحة لم تبهرني على الرغم من الاستخدام الذكي جدا لعنوانها وتناغمه مع مشكلة هائلة تقف في الوقت الحاضر امام الانسانية كلها , وهو الانطباع العام الذي رأيته واحسست به عند المشاهدين الاخرين ايضا , و
لكني اود ان اشير هنا , الى ان مشاركة الفنان التشكيلي العراقي الشاب في هذا المعرض الفريد من نوعه وفي قاعة عالمية مشهورة ورفعه لعلم العراق وسط اعلام الدول الاخرى في هذه القاعة – يعد بحد ذاته عملا رائدا ورائعا ويستحق كل الاعجاب والتقدير , وهو في نفس الوقت عمل شجاع حقا من قبل فنان شاب لا زال في بدايات طريقه الفني الطويل ولا زال امامه الكثير الكثير في مسيرته كي يتعلم ويتمرن ويصقل تجربته الفنية ويطورها كي تتبلور وتاخذ ابعادها الخاصة به وتجعله يقف بثبات وسط هذا العالم الجميل والملئ بالتنافس الحاد في نفس الوقت , وان يكون ابنا بارا لتقاليد الفن التشكيلي العراقي العظيم وتلك الاسماء الكبيرة اللامعة فيه من حضارات سومر وبابل وآشور الى جواد سليم وفائق حسن وبقية الفنانين العراقيين الآخرين , وهو ما نتمناه جميعا له ومن كل قلوبنا .
تحية للفنان التشكيلي العراقي الشاب حسين الجمعان , وتحية لموهبته الفنية الواضحة المعالم منذ الان رغم كل شئ , وتحية لشجاعته الادبية الفذة التي ادٌت به الى المشاركة في هذا المعرض العالمي , وتحية لمواقفه الوطنية المتميزة التي جعلته يطرح موضوع الارهاب بهذا الشكل المبتكر في هذه الاجواء الفنية الدولية ويؤكد موقف تراثنا الحضاري العريق تجاهه وباسم حمورابي بالذات الذي يجب ان يكون ضد الارهاب طبعا لانه أب لكل القوانين في العالم وهذا يعني ان الفنان اراد ان يقول ان الارهاب والقوانين ضدان لا يجتمعان خصوصا في وطن حمورابي نفسه , وتحية لجهوده الفردية ومبادراته الذاتية التي تعادل – ودون مبالغة – جهد مؤسسة باكملها , وشكرا جزيلا له على رفعه لعلم العراق جنبا لجنب مع اعلام دول اخرى في قاعة تريتياكوفسكي العريقة في قلب موسكو .