28 ديسمبر، 2024 2:54 م

العراق في ظل الاحتلال الجديد

العراق في ظل الاحتلال الجديد

بقليل من التغيير التكتيكي في السياسة الطائفية المتبعة من جانب التحالف الوطني الشيعي الحاكم منذ 2003 والكثير من وعوده السخية بالاصلاح وانهاء الازمات وتحقيق الوحدة الوطنية وتشكيل الحرس الوطني ومحاسبة المفسدين من انصار رئيس الحكومة السابقة”نوري المالكي”، المتغلغلين في مؤسسات الدولة كالأخطبوط ، رحب العراقيون بتولي”حيدر العبادي”احد اعضاء هذا التحالف ومن نفس حزب”المالكي”زمام الامور في البلد الذي اثخن بالمشاكل والازمات الطائفية والعرقية على يد المالكي وعصابته ، وعقدوا عليه الآمال في لم الشمل العراقي وتوفير الامن والاستقرار ومنع التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية للبلاد ، ولكن لم يحدث اي شيء من هذا ، ولم يحقق ايا من الوعود التي وعد بها الشعب رغم مرور اكثر من اربعة اشهر على تسنمه”اي العبادي”السلطة ، بل تفاقمت الازمات في البلاد وتصاعدت وتيرة الارهاب والعنف الطائفي ، وانعدم الامن والاستقرار وتصاعدت عمليات التهجير القسري التي تقوم بها الميليشيات الشيعية المسلحة داخل قوات الحشد الشعبي ضد المكون السني والهجمات المتواصلة من جانب قوات تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”على المحافظات السنية ، كل هذا ادى الى نزوح اعداد هائلة من مواطني تلك المحافظات ، حتى بلغت الى مليوني نازح في اقليم كردستان لوحده ! .. وبمجيء”العبادي”للحكم ، ازادت التدخلات الايرانية في العراق ، وتوسع نفوذها السياسي والعسكري فيه بشكل مخيف ، وكان لقائد فيلق القدس الايراني الجنرال”قاسم سليماني”وظهوره في الساحة العسكرية والسياسية وقيادته الفعلية للجيش والحشد الشعبي العراقي ضد تنظيم”داعش”، دور كبير في التمدد الايراني في العراق ، هذا الرجل يتمتع بسلطة تفوق سلطة”العبادي”نفسه ، وقد اعتبرته بعض الدوائر السياسية بانه الحاكم الفعلي للعراق ، وقال عنه نائب رئيس الوزراء”صالح المطلك”بان “كل الاشخاص المهمين يذهبون لرؤيته”واشاد به”هادي العامري”زعيم ميليشيا”بدر”الشيعية واعتبره المنقذ الحقيقي لحكومة “العبادي”(لو لم تكن ايران واللواء قاسم سليماني لكانت حكومة حيدر العبادي حكومة منفى ولم تكن في الداخل)..

ولم تكتف ايران بمد نفوذها في بغداد والسليمانية (ثاني اكبر مدينة كردية في اقليم كردستان)من خلال الاحزاب والميليشيات الشيعية والكردية وخاصة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لرئيس الجمهورية السابق”جلال طالباني”من خلال اربعة من قياديه البارزين الذين ينتمون الى الطائفة الشيعية ، بل تحاول ان تمد اذرعها الى القسم الكردي الاخر الذي يسيطر عليه حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الاقليم”مسعودبارزاني”مستغلة ظروف الحرب التي يمر بها مع تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”، وما الزيارة التي قام بها رئيس البرلمان الايراني”علي لاريجاني” الى”اربيل” في 26 من ديسمبر عام 2014 الا من اجل تحقيق هدف ايران الاستراتيجي في بسط هيمنتها الكاملة على العراق كما هي الحال مع سوريا ولبنان و”لاحقا”اليمن عن طريق الحوثويين ، ولفرض اجندتها السياسية على المنطقة واستعمالها كورقة ضغط على الدول الغربية في مفاوضاتها النووية معها والحصول على المزيد من المكاسب القومية في المنطقة .. هذا النفوذ القوي المتشعب في العراق حقق لايران مصالح استراتيجية واقتصادية كبيرة ساعدتها على مواجهة الحصار الدولي جراء ملفها النووي ، وقد لا نبالغ ان قلنا ان نفوذ ايران في العراق اكبر من نفوذ الدول الغربية في هذا البلد مجتمعة ، وقد اقر المستشار الاعلى للقائد العام للقوات المسلحة الايرانية اللواء”يحيى رحيم صفوي”بهذه الحقيقة وصرح ؛ انَ نفوذ ايرانَ أكبرُ بكثير من نفوذِ اميركا في العراق.. مهما تقدمت حكومة”العبادي”خطوات نحو الاصلاح وانتهجت سياسة وطنية ، فانها عاجزة عن تحقيق الاهداف الوطنية التي تسعى اليها وتعمل من اجلها في ظل سياسة التبعية التي تنتهجها تجاه ايران ، ولا يمكن ان يتصالح العراق داخليا وخارجيا مع الدول العربية والخليجية المجاورة ما لم يتخلص من القيود الايرانية المفروضة عليه ، مهما كانت الدعوات الطيبة التي وجهها العراق الى الدولة العربية والخليجية باعادة المياه الى مجاريها وطي صفحة الماضي وتطبيع الاوضاع واعادة الثقة المفقودة والتعاون المشترك لمواجهة الارهاب وغيرها ، فانها لا تجدي نفعا في ظل خضوعه التام للاملاءات الايرانية؟ لايستطيع العراق بوضعه الحالي المكبل بقيود العبودية ان يلتزم بكلامه ولا يفي بوعوده مهما قطعها للاخرين ، فالعبد مهما بلغ من حظوة وقوة فلن يكون مستقلا بقراراته ابدا..

ورغم معرفة دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودي بشكل خاص هذه الحقيقة ، ولكنها مدت يدها للحكومة الجديدة برئاسة”العبادي”واستجابت لتلك الدعوات وقررت فتح سفارتها في”بغداد”كبادرة حسن نية..