18 ديسمبر، 2024 11:05 م

العراق.. غضب شعبي وقرارات “انتقامية”!

العراق.. غضب شعبي وقرارات “انتقامية”!

بعيداً عن مناحرات منْ سيشكل الكتلة الأكبر، ومنْ سيفوز بمنصب رئيس الحكومة العراقية المقبلة، وفي خضم الانشغال السياسي والإعلامي بهذه القضية الحساسة والمعقدة، ومع استمرار المظاهرات الشعبية في البصرة، جنوبي العراق، واستخدام القوات الحكومية القوة المفرطة ضد المتظاهرين الغاضبين، الذين أحرقوا عشرات المقار الرسمية والحزبية، اتخذ (رئيس حكومة تصريف الأعمال اليومية)، حيدر العبادي – الاثنين الماضي- “قراراً غريباً”، ولم يكن متوقعاً، تمثل بتولي العبادي شخصياً، رئاسة هيئة الحشد الشعبي، التي أقال رئيسها السابق فالح الفياض قبل عدة أيام.
وجاء في بيان مكتب العبادي أن ” القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي زار هيئة الحشد الشعبي، واطلع على أوضاع الهيئة والمنتسبين فيها”، وتضمن البيان صفة جديدة للعبادي، وهي: “رئيس هيئة الحشد الشعبي”.
العبادي اصدر قبل عشرة أيام تقريباً أمراً بإعفاء فالح الفياض من جميع مناصبه الحكومية، ومن رئاسة الحشد الشعبي، وقال العبادي في بيان إنه” اتخذ هذا القرار بسبب انخراط الفياض في مزاولة العمل السياسي والحزبي، ورغبته في التصدي للشؤون السياسية، وهو ما يتعارض مع المهام الأمنية الحساسة التي يتولاها”!
الحشد الشعبي من جانبه لم يلتزم الصمت، بل فتح النار على العبادي، ومن ذلك هجوم القيادي في الحشد “علي الحسيني”، الثلاثاء الماضي، الذي وصف القرار بـ “المتسرع”، وأن” نائب رئيس هيئة الحشد (أبو مهدي المهندس)، هو الأحق بتسنم منصب رئيس الهيئة بعد إقالة الفياض، وأن قرارات العبادي الأخيرة – ومن ضمنها إقالة رئيس هيئة الحشد فالح الفياض من منصبه، وترأسه للهيئة- تدل على خلافات حقيقة بتشكيل الكتلة النيابية الكبيرة، التي يترقب العراقيين إعلانها، وذلك بعد خروج الفياض من ائتلاف العبادي الانتخابي”!
وسنحاول هنا الاتفاق جدلاً مع العبادي بأنه قرر عزل الفياض لانخراطه في العمل السياسي، لكن بالمقابل ألا يحق لنا أن نتساءل: هل العبادي اليوم مستقل وغير منخرط في العمل السياسي، وهو الذي يشغل حالياً مسؤولية المكتب السياسي لحزب الدعوة الحاكم، فلماذا يتعسَّف في استخدام السلطة؟
أظن أن قضية الفياض تدخل في إطار لعبة التكتلات القائمة حالياً حيث أعلن الفياض قبل عشرة أيام انسحابه من كتلة النصر بزعامة العبادي!
وهنا ينبغي التذكير بأن عمل الفياض السياسي ليس جديداً، إذ سبق له الإعلان عن تشكيل حزبه ” عطاء” قبل تسعة أشهر تقريباً، وعليه لماذا تذكر العبادي الآن أن الفياض يعمل في السياسة، وقرر استبعاده!
أرى أن العبادي أراد توجيه ضربة استباقية لزعماء الكتلة الأخرى، ومنهم زعماء الحشد الشعبي: هادي العامري، وقيس الخزعلي، والفياض وغيرهم، لأنهم ليسوا بفريقه، وكذلك لأنه يريد إضعاف دور الحشد في المرحلة المظلمة المقبلة، وأن يجعله تحت “السيطرة القانونية”، وأظن أنه متوهم جداً!
سبق أن كتبت مقالاً في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد إعلان الفياض، تشكيل حزبه “عطاء” لدخول الانتخابات، وذكرتُ:” لا يمكن تفهم هذه الخطوات وفقاً لأي قانون، أو نظام تمت الموافقة على تشكيل هذه الكيانات السياسية رسمياً في بلاد يحظر فيها قانون الانتخابات دخول المليشيات في اللعبة السياسية”!
وبينت أن المادة (8) من الفصل الثالث، (حق الترشيح)، من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي، تنص: يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب: ” أن لا يكون من أفراد القوات المسلحة، أو المؤسسات الأمنية عند ترشحه”.
وقانون هيئة الحشد الشعبي نص هو الآخر على: ” منع مشاركة الفصائل العسكرية، أو قادتها، في الحياة السياسية العامة، أو الانتخابات النيابية”!
أليست هذه القوانين تنطبق على العبادي، الذي يمتلك كتلة سياسية، وكذلك هادي العامري، وكل منْ يمتلكون فصائل مسلحة من الفائزين الآخرين، أليسوا هم اليوم في العملية السياسية؛ وعليه ينبغي على العبادي – وبقية قادة الحشد-عدم المشاركة في العملية السياسية بحسب نصوص القوانين السارية أعلاه!
الأولى بحكومة العبادي – وهي حكومة تصريف أعمال- أن تتجه لتلبية مطالب المتظاهرين في الجنوب، وأن تبتعد عن لعبة التناحر السياسي!
قرارات العبادي غير المدروسة – ربما- ستحرق البنية المجتمعية عبر حرب مليشياوية تطحن الفقراء، وتدمر البلاد، وربما ستكون مظاهرات البصرة، والهمجية في التعاطي معها شرارة حريق هائل لا يمكن السيطرة عليه بسهولة، وحينها سنجد أنفسنا أمام مرحلة دموية جديدة في بلاد الرافدين، التي لم تعرف الطمأنينة والسلام منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الساعة!