18 ديسمبر، 2024 10:13 م

العراق .. غضب شعبي تاريخي

العراق .. غضب شعبي تاريخي

المتتبعون لتاريخ ارض ما بين النهرين لم يتأخروا كثيرا في اكتشاف حقيقة ربما كانت شاخصة للابصار بشكل شبه مطلق، سواء في الحقب الزمنية المتعلقة بالغزو الخارجي وحكم الاجنبي او بالحقب ذات الحكم الوطني المحلي .
الحقيقة المشار اليها تتعلق بطبيعة حكم العراق ونظرة الشعوب التي سكنت هذه الارض لحاكمها، والابعاد التي ادت الى عدم رضا هذه الشعوب للحاكم .. ولعل السائل هنا يتوقف عند الاسباب التي ساهمت بحالة عدم الرضا هذه، وربما الاجابة لن تذهب ابعد من الواقع اذا ما ابتعدنا عن الغيبيات التي يحاول سائر القوم اللجوء اليها احيانا ..
الاجابة العلمية والاكاديمية على هذه الاستفهامات سنحاول ايجازها بهذه المقالة التي نأمل ان تكون ذات بعد توضيحي لملابسات لطالما تحدث بها الصغير والكبير ، الشاب والكهل ، والرجال والنساء ..
وتتلخص تلك الاجابة بسرد موجز للمقومات التي تحملها تلك الارض والعوامل التي من شأنها ان تكون شرطا اساسيا للحياة المستقرة فيها ، ومن بين تلك المقومات الثروات الطبيعية التي جعلها الله تعالى في هذه البقعة المقدسة من الارض، فضلا عن كونها ممرا استراتيجيا يربط بين قارات العالم القديم، ولا يفوتنا ان نذكر انها تمثل مهدا للحضارة الانسانية بشكل عام ومهبطا للاديان السماوية والاتصالات العلمية الكونية التي ربما لا نستطيع الخوض بغمارها لحساسية هذا الملف، وعدم استطاعة معظم الناس ادراكه قبل الاطلاع على بحوث تمهيدية قبل الخوض به.
المقومات السالفة الذكر تقودنا للحديث عن العوامل او العناصر الاساسية اللازمة للعيش باستقرار في تخوم هذ الارض الاستثنائية .. ومن دون اية مقدمات فأن البلد او الارض التي تحوي كل هذه النعم تكون شعوبها ذات مواصفات بشرية استثنائية، اكتسبتها جراء الطاقات الموجية للارض التي يعيشون عليها، من بينها الاعتزاز بالنفس والتمتع بكرامة منقطعة النظير يصاحبها كرم وجود بالنفس، وايضا طاقات ذكائية ناجمة عن امتزاج ارواحهم بروح العالم اللا متناهي ، فضلا عن امور اخرى كحبهم للحياة والتطور والتقارب مع محيطهم، وما هو غريب عنهم، ولا يفوتنا الاهم من بين ذلك الا وهو الرغبة اللا ارادية في العيش الكريم والرغيد دون ذلة او عوز او اي ما من شأنه امتهان عزتهم وكرامتهم .
ولأن اسبابا عدة لسنا بمعرض تناول تفصيلاتها تحول دون توفير هذه الظروف المناسبة للعيش بهذه الطريقة للشعوب التي سكنت هذه الارض عبر الازمان، من بينها اتخاذ القوى العالمية المختلفة قرارا بهذا الصدد، ولاعتبارات سياسية وبعضها عقائدية فأن الواقع فرض قادة وملوكا وزعامات تناوبوا على الحكم فيها، عمدوا الى تحطيم كل ما من شأنه الارتقاء بهذه الشعوب، بل بالعكس العمل على تدميرها ايديولوجيا وسايكولوجيا، ما ولد انتفاضة روحية عبر الوعي الخفي الذي هو ما وراء العقل الباطن في عقل الانسان، ناجمة عن عدم ايمان او قناعة بما يدور من حولهم، نقصد هنا الشعوب الساكنة في هذا الوادي المقدس وشعور بأن هناك خطأ ما يهدد استقرارهم وحياتهم وربما وجودهم، سواء في هذه الدنيا او الحياة الاصيلة في الـ (ما ورائيات) التي هي الفيصل في كل ما يحدث من حولنا، وربما هي السبب في سياسات عالمية كانت ولا تزال سببا رئيسا للاحداث سواء في هذا البلد او ذاك.
مما تقدم نحاول ان نبين ان هناك اسبابا علمية سايكولوجية تقف وراء حالة (اللا استقرار) السياسي الذي رافق الحياة في هذا البلد منذ عمق التاريخ ولغاية الان، ولاننا باحثون عن الحقيقة وكيفية التعايش معها دون رتوش ودون احلام وردية تجعلنا بعيدين عن الواقع، نحاول ان نقف على اعتاب التعامل الامثل مع حياتنا للتغلب على ازمة روحية مستدامة لا نعرف كيف ستنتهي، والتراجيديا التي ستتخللها الاحداث الدنيوية يوما والتي ربما ستكون في عالمنا هذا او عوالم اخرى لابنائنا او احفادنا او المراحل الزمنية الاخرى (اللا حسية)، وبالتالي فأن الوصول الى بر الامان لا يتمثل بحلول نراها مثلى، بينما لا تتمتع بأية خاصية من شأنها استلهام الهمم والنهوض بالذات وصولا بها الى بر الامان .
التعامل الامثل مع الذات والمحيط الاقرب ثم الابعد لا يكون عبر جمع اموال او تحقيق امان مجتمعي او اكتساب شهرة او تحقيق ملذات او احلام يطمح الانسان لها وغيرها مما يشتهيها الفرد للوصول الى حالة ارضاء النفس لان اكتساب هذه الغايات ليست له قيمة في حال غياب اي منها عن الانسان في هذه الارض، وكما اسلفنا حيث انه ميال وبرغبة جامحة لكسب الكل وان غياب الجزء يعني لديه غياب الكل، لان الهدف في جزئية (الوعي الخفي) من العقل واحد لا يتجزأ .. اذن ما الحل؟ هنا يتساءل القارئ؟ الحل يتمثل العمل دون يأس على تطوير الذات وبشكل منفرد تدريجي آني دون التفكير بالكل دفعة واحدة، لان التفكير بالكل يعني انهيارا سايكولوجيا تاما ترافقه حالة من الفشل في ادارة الامور الحياتية وفوضى هدامة فيها تقودنا الى الانهيار وعلى صعد كافة .
كيف نجزّئ انجازاتنا ورحلتنا الدنيوية نحو هدف منشود .. يأتي ذلك عبر تحديد الخيار المطلوب والسعي عليه بمفرده كوحدة شاخصة ليست لها صلة بأي من التداعيات ثم الانتقال بعدها الى مرحلة اوسع ثم اوسع وهكذا وصولا الى ما نبتغيه ترافق ذلك حالة التجرد في ما يتعلق بالسعي الخارجي لطمرك والقضاء عليك سواء محليا او عالميا، اي بمعنى ترك الامور التي لا تنفع شخصك ويمكن لها ان توقف عجلة التطور لديك.
تطوير الذات علميا يراه الباحثون ضرورة بالغة للتعرف على كيفية التعامل مع المتغيرات اليومية، فضلا عن التعرف على حدود طاقاتك الكامنة وما تستطيع ايصالك اليه اثناء رحلتك الطويلة عبر زمانك، وان هذا التطور ليس بالصعب انما هو يسير على الذي يريد فعلا الوصول له والتجارب حول ذلك ليست بالقليلة.
وفي الختام نود حقا ان نعتذر للكثير من الاخوة القراء عن تضمن مقالتنا هذه افكارا ومصطلحات غير مسبوقة او قليلة الاستخدام، غير اننا حاولنا ان نسردها باوضح ما يمكن للوصول الى حقيقة ربما هي مغيبة عن تفكير معظم الناس، وصراحة قد يتردد او يخاف الكثير من الباحثين التطرق اليها لحساسية ايديولوجيتها غير ان اهميتها تطلبت الخوض فيها حتى لو بشكل عام، وان معرفة تفاصيل قد يحاول البعض معرفتها تقع وبحسب رأينا على عاتق من يريد حقا معرفتها او الوصول اليها ، فمعرفة الذات والدور الذي لا بد للانسان القيام به في هذه الارض هو من اولويات الله جل وعلا، فلا قيمة للانسان دون معرفة ماهيته والدور الذي اوجده الله تعالى له في هذه الدنيا، ولعل هذا اي الوصول لمبتغاك هو الاختبار الحقيقي لذاتك من قبل الارادة المقدسة.