(1)
تحكي مدونات التاريخ، عن متعة الاقطاع الروس، قبل الثورة البلشفية عام 1917، بصيد البشر، وكذلك الامريكان الاوائل، يحصرون العبيد في أسيجة ويطلقون كلاب صيد مسعورة تنهشهم، وليس غريبا على ذاكرة التاريخ، حلبات الارمن الفظيعة، في ما يروي أصدقاؤنا الكرد، عن شيوخ عشائر “الجاف” الذين يتخذون من الفلاحين أهدافا لبنادقهم، من باب التسلية، في الـ “week and”.
والحال تعيد نفسها.. الآن، في ظل انزواء حكومة نوري المالكي، خلف متاريس برجها العاجي، منيفا منعيا لا يقتحم، مسورا بالحراس المدربين، والكلاب فائقة التشمم، بينما الشعب، يتلظى بالسيارات الملغمة، ومظاهر التفخيخ.
وهو ذات الداء الذي أودى بالطاغية المقبور صدام حسين، بالتداعي من أبراج قصوره التي بناها من جوع الشعب، الى حفرة مهملة، آوت عزلته، على مشارف تكريت، بعد أن ضاقت عليه الأرض بماوسعت؛ لأنه عني بنفسه وأهمل الدولة.
وأظن حفرةً ما، على مشارف “طويريج” تنتظر المالكي… هذا المصير، متوقع له؛ لأنه عني بجماعته.. يسرقون ولا يحاسبون ويقتلون ويفلتون من العقاب.. يفتعل عداوات إقليمية، في وقت توجب خلاله مصلحة العراق، شيئا من توفيقية، وتهدئة، مع من نكره ومن نحب.. على حد سواء.
فهل انتخب العراقيون، إقطاعيا يقبلون سوطه؛ باعتبارهم شعبا يحب جلاده.. ليس بعيدا؛ ربما يعيدون الخطأ، بانتخاب اقطاعي، إذا تكررت له ولاية ثالثة، سيضع صدام حسين وراءه، لكن حفرة طويريج ستبقى امامه، مثلما لفظت حفرة تكريت صدام الى حبل المشنقة.
المشكلة يا أخوان، ليست في إعدام صدام، الذي يشكل قدرا بانتظار المالكي، إذا ورط الشعب بولاية ثالثة تجير البلاد والعباد له، انما في بنية مجتمع لا يحسن التخطيط لمستقبله، انطلاقا من الواقع، الذي يستثمر ثرواته الى أقصاها.
قيل ما فرعنك، قال لم أجد من يوقفني عند حد العقل، وتلك هي الحقيقة، التي يبعثها العراقيون، فيمن يتولى شؤون الحكم.. انهم عبيد السلطة، يبالغون بالرضوخ في طاعة الحاكم، حد الاستخذاء.
لكن كل ما قلته، عفى عنه الزمن، المفروض ان العالم الآن، بلغ حدا فائق الوعي، وتخلص من الاخطاء المتوارثة، المجتمعات تعيد تشكيل نفسها بموجب المستجدات، فهو لم يعد كما كان قبل اكتشاف الكهرباء وانطلاق التصنيع والثورة الفرنسية واكتشاف النفط في ارض العرب.. العالم يتمحور حول اخطائه، يحتويها متحولا من مستوى معاشي الى آخر.
لكن العراقيين، لا يجيدون التحول ولا التعامل مع الوفورات الممكنة، في حياتهم، من نفط وزجاج وفوسفات وماء وزراعة وسياحة و…
طبيعة العراقي، حولت نعم الله السابغة، نقمة، اذ قالت الكاهنة طريفة الخير : “من اراد كنوز الارزاق والدم المراق فليذهب للعراق”.
(2)
العراقيون شعب ينشئ إقطاعا يتسلى بصيده في الـ “week and” وهذا ما أخشى ان يؤكدوه، بانتخاب من اهملهم ثماني سنوات، وتذكرهم قبل الانتخابات بأقل من شهرين، مثل صدام الذي صرف حصتين تموينيتين اثنتين، قبل سقوطه، والمالكي الان يعيد التجربة، خارجا من إنزوائه، في المنطقة الخضراء، ليسهم في إطفاء باقي العراق الذي تركه، منطقة حمراء طيلة دورتين مضتا، لكن أثرهما ما زال ينغص فرحتنا بسقوط صدام.
أليس كذلك؟ إذن لا تعثروا بحجر انتخاب الطاغية المالكي ثالثة، خلاف الدستور؛ لأنه مجرد ترشحه لدورة ثالثة، من دون منجز حقيقي، يعني تهافته على السلطة واقباله المحموم على مغرياتها، لا ينوي خدمة العراق؛ لأنه لو أراد خدمة (جا) ما إدخرها ثمانية اعوام واطلقها قبل الانتخابات بشهرين.
ولم يكتف بالاحجام عن تقديم الخدمات للشعب، بل افتعل أزمات، كي يتفضل على الشعب بحلها؛ فينتخبوه، ومع الوقت يتحول الاقتراع الى مهزلة، مثل استفتاءات صدام.
الا ترون ان كثرة المقارنة مع صدام تدل على انه قدوة للمالكي! أفبعد الحق الا الضلال؟ الذي يعيدنا عبيدا للحاكم المتسلط؛ نسترضيه بالطاعة إستزلاما، من دون ان نتماهى مع التحولات الكونية، التي يشهدها العالم، من ديكتاتوريات متعفنة الى ديمقراطيات متفتحة على النور والهواء.