18 ديسمبر، 2024 8:10 م

العراق…عندما تتدحرج كرة الثلج

العراق…عندما تتدحرج كرة الثلج

لاشك إن قراءة المشهد السياسي في الساحة العراقية بات أكثر وضوحا من ذي قبل وإن كرة ثلج الاحزاب كلما تتدحرج تكبر وتبدأ بعكس الحالة الحقيقية لهذه الاحزاب، والصورة تكون اكثر وضوحا من ذي قبل..كما إنها تسلط الضوء أكثر على حقيقة الإعلام الحزبي الذي حاول ويحاول إعطاء صورة مغايرة تماما لما يحدث بالفعل وراء الأبواب المغلقة…وبات الشعب العراقي يدرك تماما إن هذا الابواب على وشك أن تفتح لإعلان إتفاق أو توافق أو تفاهم ما بين الكتل المتصارعة، هذا الإعلان يعني بالتأكيد مزيدا من الكوارث التي سوف تلحق بالشعب العراقي الذي يعيش الصدمة من الكم الهائل من الشيطنة التي تتمتع به بعض هذه الكتل ومن يحركها اقليميا أو أبعد من ذلك…
الآن لكي نعرف كيف بدأت كرة الثلج بالتدحرج وتكبر لتكشف حقيقة الموضوع فمنذ إعلان نتائج الإنتخابات تحركت بعض الكتل للطعن فيها واصفه النتائج بإنها قد تم تزويرها عبر سيرفرات وضعت في الامارات لكن جاء قرار المحكمة الاتحادية بإن الإنتخابات كانت صحيحة وإن الادلة التي قدمت لها لا ترتقي لكي نصف الإنتخابات بمجملها إنها مزورة…أحترمت الكتل التي طعنت بالإنتخابات قرار المحكمة كما أثنت الكتل التي جاء قرار المحكمة لصالحها على نزاهة القضاء في العراق…قرار المحكمة فرض على الكتل إعادة ترتيب أوراقها بعد إن اصبحت نتائج الإنتخابات أمرا واقعا…لكن ما ان تم الإعلان عن قيام تحالف ثلاثي يضم كلا من تيار سائرون و الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالاضافة إلى خميس الخنجر و محمد الحلبوسي عن الأحزاب السنية وإنسيابية إنتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي بعد شراء بعض الاصوات ممن كانوا يمثلون توجهات إنتفاضة تشرين، ضاربين عرض الشارع مطالب الثورة العراقية الكبرى في تشرين والتي سالت دماء طاهرة انذاك بسببها وكان أحد شعاراتها عدم إعادة إنتخاب نفس الوجوه والاشخاص…لكن جرى تشويه للحراك التشريني بعد ان تدخلت بعض الاحزاب بطريقة دموية وحرفت أهداف هذا الحراك وبات يوصف التشرينين عموما بإنهم جوكرية السفارات وحدث ما حدث لكن الثابت للشعب العراقي إن وصف جوكرية السفارات ينطبق بالضبط على بعض الأحزاب في الساحة العراقية.
ما يحدث على الساحة العراقية يكاد لا يوجد له مثيل في العالم على الإطلاق حيث إنعدام الحس الوطني تكاد تكون صفة تنطبق على أغلب الأحزاب، وكل ما يطفوا على السطح من خلافات بين الأحزاب هي في حقيقتها ليست خلافات تصب في مصلحة الشارع العراقي إنما هي خلافات على آلية توزيع الحصص بين الأحزاب لذلك بمجرد حاولت أحد الاحزاب ألسيطرة على حصة أحزاب أخرى من نفس المكون دخل العراق في نفق مظلم تطلق عليه الأحزاب الإنسداد السياسي ويطلق عليه الشعب الفشل السياسي وبرز مصطلح جديد ب “الثلث الضامن” ويسوقون هذا المصطلح على إنه ثلث ضامن للمكون الشيعي وهو ليس كذلك حيث كلما تتدحرج كرة الثلج تكشف حقيقة هذا الثلث الذي يجب أن يسمى بالثلث المعطل وليس الثلث الثامن.
ثم جاء قرار المحكمة الإتحادية بإن إنتخاب رئيس مجلس الوزراء مشروط بحضور ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب…ولما كانت جميع الأحزاب لا تملك نصاب الثلثين مما يعني بورصة شراء الأصوات التي تصنف “مستقلة” ناشطة جدا هذه الايام حتى لو وصل الأمر إلى التهديد، وبات الشارع العراقي مقتنعا تماما إن أكثر الساسة الذين طرحوا انفسهم متحدثين عن هذا الشارع بكافة مكوناته هم ليس أكثر من تجمعات هنا وهناك مرة تسمي نفسها أحزاب وتتخذ هذه الاحزاب تسميات مختلفة لكن حقيقة الامر إنها تعمل تحت إستراتيجية واحدة فرضت عليها من المحتل تتضمن إعادة تهريب أموال النفط إلى البنوك الاجنبية حتى لو كان ذلك من خلال تشريع قوانين تصب بهذا الاتجاه وإعطاء إمتيازات وأموال تحت مسميات مختلفة تدخل ضمن تشريعات القوانين…المهم يجب إن تعاد أموال بيع النفط إلى الخارج وهكذا نرى إنتشار غير مسبوق لما يسمى بالبنوك والمصارف الأهلية التي دورها محصور في عمليات غسيل الاموال حسب ما ورد على لسان الكثير من النواب، كما انتشرت محلات الصيرفة بصورة غير مسبوقة، كذلك مزادات بيع العملة التي تجري اسبوعيا لا مثيل لها في جميع البنوك المركزية في دول العالم هذه المزادات تصب في خانة تسهيل تهريب الأموال إلى الخارج. كما إن أعطاء رواتب تقاعدية للمصريين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين وغيرهم كلها تصب في هذا الاتجاه…ولو أردنا أن نسلط الضوء على ما يجري في العراق من عمليات إعادة تحويل كل دولار يستلم عن بيع ثرواته الطبيعية واولها النفط نجد إنه يستند إلى فلسفة جديدة للإستعمار يطلق عليها بلإستعمار الناعم أو السيطرة الناعمة على خيرات الشعوب، فبعد أن كان الاستعمار يحتل الشعوب ويسيطر عليها بقوة السلاح ويواجه مقاومة تكبده خسائر في الاموال والافراد، أصبح الإستعمار يقوم على فكرة إيجاد عملاء توكل لهم مهمة سرقة البلد وما به من ثروات وتحويلها إلى الخارج دون إراقة دماء ولهم الحرية الكاملة في تحديد آلية إدارة البلد تحت شعارات الحرية والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي تدغدغ مشاعر الجمهور وسوف يكونون مدعومين دعما كاملا من المستعمر طالما الأمور تجري حسب ما يخطط لها المستعمر لكن إن حدث وثار الشعب فإن البدائل مطروحة على الطاولة لإكمال المهمة لذلك أغلب الطبقة السياسية في العراق هي طبقة مسيرة وليست طبقة مخيرة ولا يأتي أحد ليقنعك إن هذه الجهة تابعة لهذه الدولة وتلك الجهة تابعة لدولة أخرى لأن عكس صورة كهذه هي من متطلبات الاستعمار الناعم الجديد وهي الإيحاء بتعدد الولاءات لكن في الحقيقة هؤلاء ينفذون أهداف المستعمر بكل دقة وهم ليس لهم خيار غير ذلك…لو نعود قليلا إلى الوراء وبالتحديد إلى سنة 2002 حيث تم عقد مؤتمر ممول من المخابرات الامريكية والبريطانية في لندن وبالتحديد في شهر كانون الاول يومي الرابع عشر والخامس عشر وتم في هذا المؤتمر التوقيع على وثيقة أو بيان من قبل جميع أطراف ما كان يسمى المعارضة العراقية وهذا البيان وفقراته لم يكن بعيد عن وجود اصابع المستعمر الجديد بين سطوره وكانت النقطة المركزية في هذا البيان هو تكريس حكما طائفيا في العراق بعد زوال الحكم السابق وتكريس الطائفية ثم تم التأكيد على ذلك في خيمة ذي قار، وكلنا شاهدنا كيف تم تنفيذ مفردات هذه الوثيقة لا بل ذهب البعض إلى ابعد من ذلك وصل إلى تقسيم المناصب كافة في الدولة العراقية بينهم ورغم إن المحكمة الإتحادية أبطلت هذا التقسيم لكن هؤلاء يصرون على الإلتزام به وتطبيقة لإنهم وجدوه الطريق الأسلم لتحقيق رغباتهم في الحصول على الغنائم من جهة ومن جهة أخرى تحقيق رغبة المستعمر بإعادة تدوير الأموال المستحصلة من ثروة البلد إلى الى الخارج وقد تم الإتفاق على تقسيم المناصب بينها خلافا للمواد الدستورية فالطبقة التي تتحكم بمصير البلد تضرب بالدستور عرض الحائط إذا تعارضت مواده مع مصالحهم ومصالح المستعمر كما رأينا كيف إن هذه الكتل تضرب عرض الحائط قرارات المحكمة الإتحادية عندما تتضارب المصالح وكان التقسيم بالشكل التالي
منصب رئيس حصة الكورد
منصب رئيس مجلس النواب حصة السنة
منصب رئيس مجلس الوزراء حصة الشيعة
وإستند الإتفاق على عدم تدخل الكتل الأخري في ترشيح الكتلة المناط لها المنصب بغض النظر عن الكفاءة والأهلية والقدرة وغيرها حتى لو كان لا يحمل أي مؤهلات تؤهله لإستلام المنصب هذا الأمر خاص بالكتلة فقط أما الكتل الأخرى عليها التصويت وهي صاغرة…
أما مجلس الوزراء فهو يتشكل بالشكل التالي
إثنى عشر وزارة حصة الشيعة من ضمنها وزارة الداخلية والنفط والخارجية أو المالية بالنوابة مع الكورد
ستة وزارات حصة السنة من ضمنها وزارة الدفاع ووزارة التربية او التعليم العالي بالمناوبة مع الشيعة
ثلاث وزارات حصة الكورد على ان يكون من ضمنها أما وزارة الخارجية أو المالية بالمناوبة مع الشيعة
وكذلك تم الاتفاق على تقاسم بقية المناصب من مستشارين ووكلاء وزارات ومدراء عامون إلى أدنى منصب في الدولة العراقية هي حصص مقسمة بين الكتل…ومضت الأمور بهذا الاتجاه طيلة ال 19 سنة السابقة حيث كل شيء في العراق هو للأحزاب تتحكم به كيفما تشاء…وكان من نتائجها تدمير كامل للدولة العراقية…تقريبا إنعدام كل شيء في العراق أما الاحزاب تلقي فتافيتها بأفواه الشعب العراقي وهي تضحك عليه وتخشى في الوقت نفسه من إندلاع ثورات جديدة تحول ضحكهم إلى بكاء…وأصبحت صفة نهب المال العام ملازمة إلى اغلب الطبقة السياسية في العراق…وينظر الشعب العراقي بأن أغلب الطبقة السياسية هم مجرد لصوص غير محترمين سرقوا أموال العراق طيلة السنوات السابقة وحوسموا قصور الدولة وحولوها بأسمائهم وجلسوا فيها يتبخترون ويلتقون في هذه القصور مع بقية الحواسم من على شاكلتهم وهم شرعا يجب ان تقطع ايديهم على سرقاتهم وهم رغم كل هذه الفخفخة التي يحاولون الظهور فيها لا يساوون باعورة عنزه…هذا هو رأي اي مواطن بسيط في الشارع…
ربما سائل يسأل إذا كان هذه هو الحال إذا لما هذا التأخير في تشكيل الحكومة طالما هم متفقون ضمنيا؟
وللإجابة على هذا السؤال نقول إن ما حدث بعد إعلان نتائج الانتخابات مسألتين:
المسألة الأولى إن الحزب الديمقراطي الكوردستاني طالب بأن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصتهم، بينما كان في السابق من حصة الإتحاد الوطني الديمقراطي…لكن هذا ليس هو المعطل الحقيقي لحالة الفشل الذي تعاني منه الطبقة السياسية وتطلق عليه لفظ الإنسداد السياسي. المعطل الحقيقي هو الجانب الآخر وهو الجانب الشيعي!!!
المسألة الثانية مرتبطة بالساسة الشيعة حيث أعلان الحزب الفائز بالعدد الأكبر بالمقاعد بأن جميع حصة الشيعة لهم، “منصب رئيس الوزراء زائد جميع الوزارات الإثنى عشر وبقية المناصب في الدولة العراقية التي تخص الشيعة” وكان ذلك واضحا على لسان أحد نواب هذه الكتلة…جرى تحرك من الطرف الآخر لاقناع الطرف الفائز بضرورة إعادة التفاهمات السابقة بغض النظر عن الفوز والخسارة….كل الذي حصلوا عليه ثلاث وزارات إذا المشكلة تتلخص بالأتي
الطرف الفائز يطالب بمنصب رئيس الوزراء وتسعة وزارات وما يتبعها من المناصب
الأطراف الخاسرة تطالب بالتوافق على منصب رئيس الوزراء وستة وزارات وما يتبعها من المناصب
هذا ما كشفت عنه كرة الثلج المتدحرجة وأصبح واضح إن الصراع صراع مناصب ليس أكثر أما ما يسوق في الإعلام إن الشعب ينتظر والتباكي على مظلومية الشعب وعلى المشاريع المعطلة وعلى وعلى هي مجرد صفر على الشمال لأن الاحزاب تعلم إنه لا يوجد من ضمن أجندتها مصالح الشعب العراقي لا من قريب ولا من بعيد والتلاعب بالألفاظ لا يغني ولا يسمن من جوع…فعندما يجلس احد الساسة في احدى القنوات الفضائية كامل الملبس الانيق المسروق من اموال الفقراء ويبدا يتفلسف عن ضرورة انتخاب رئيس جمهورية ورئيس وزراء وتشكيل الحكومة
لماذا يا ترى؟
يقول وهو كاذب!! ان الشعب ينتظر اقرار الموازنة وتنفيذ المشاريع الاستثمارية و و و و وغيرها من الواوات نقول له ان تجربة 19 سنة لا تعضد كلامك وانت الان “قاعد عدل وتحجي عوج” ونسيت المثل الذي يقول “اقعد عوج واعحجي عدل”.