22 ديسمبر، 2024 7:51 م

العراق على مفترق الطرق اما يكون او لايكون!

العراق على مفترق الطرق اما يكون او لايكون!

بسبب الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومات الشيعية المتعاقبة عقب سقوط النظام السابق (2003) وخاصة حكومتي “نوري المالكي” (2006 – 2014) بحق المكون السني في العراق وتجاهله المستمر لمطالبه، ظهر ‏تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” واصبح قوة كبيرة لها وجود فعلي في الساحة العراقية ، بدعم مباشر من ‏اطراف سنية تضررت مصالحها من سياسة “المالكي” الطائفية ، كانصار النظام (البعثي)السابق وبعض العشائر وقوات ‏الصحوة التي كانت لها دور كبير في دحر تنظيم “القاعدة” اواخر عام 2006 ولكنها جوزيت من قبل سلطة “المالكي” جزاء ‏سنمار وركنت جانبا ولم يعد لها وجود اليوم في الساحة السياسية ، بينما حظيت الميليشيات الشيعية باهتمام استثنائي ودعمت بالسلاح وخصصت لها حصة مالية سنوية كبيرة من ميزانية الدولة!
في حين لم تحدد أي ميزانية لقوات البيشمركة الكردية التي هي ‏”جزء من منظومة الأمن والدفاع العراقية وهي قوة عسكرية دفاعية دستورية حسب ما ‏نصت عليه المادة (121) من الدستور العراقي” بينما ميليشيات الحشد الشعبي تشكلت بفتوى المرجعية ودعمت بقانون لم يصوت عليه غير الكتل الشيعية في البرلمان!
ورغم زوال خطر”داعش” المحدق على العراق وتحرير مدينة الموصل والمدن الواقعة تحت براثنه فان هيئة الحشد الشعبي ظلت تتوسع وتمتد وتستقطب اعدادا متزايدا من الفصائل حتى وصلت اعدادها الى اكثر من 70 فصيلا مسلحا ، بينما كان المفروض ان تتفكك او تندمج بالقوات الحكومية النظامية عقب دحر قوات “داعش” ولكنها ظلت تتوغل في ثنايا مؤسسات الدولة حتى تحولت الى دولة قوية داخل دولة ضعيفة تتحكم في قراراتها وتهيمن على اهم مؤسساتها التشريعية وهي “البرلمان” ، وهي ترفض أي مشروع سياسي او تجاري تعقده حكومة “مصطفى الكاظمي” لا تصب لصالحها او لصالح الدول التي ترتبط بها ، فقد رفضت مشروع “ميناء الفاو”الكبير الذي”انتظره أبناء البلد لسنوات طويلة”والذي “يساهم في تطوير محافظة البصرة و..يوفر فرصًا كبيرة للعراق ويعزز مكانته الجيوسياسية في المنطقة والعالم” حسب قول الكاظمي.
وسياسيا استقلت بقراراتها عندما انضمت الى محور المقاومة والممانعة في المنطقة وربطت مصيرها به دون استشارة الحكومة ، وكذلك موقفها الرافض لنتائج الانتخابات النيابية المبكرة التي خسرتها وتعطيلها لعملية تشكيل الحكومة الجديدة وتهديدها لممثلي الأمم المتحدة ، ومحاولتها اغتيال “الكاظمي” واستهداف بيتها بالصواريخ ، وهي مازالت تواصل احتجاجاتها امام المنطقة” الخضراء” لاعادة عملية الانتخابات من جديد!
فاذا كانت فتوى المرجعية العليا أعطت الشرعية الدينية لميليشيا الحشد عام 2014 ، فان الحكومات التي جاءت بعد 2005 ابتداءا من حكومة إبراهيم الجعفري (2005–2006) وانتهاءا بحكومة “الكاظمي” حاولت ترسيخ وجود هذه الميليشيات وتفعيل دورها السياسي في العراق وفرضها على العراقيين.
اذا كان “نوري المالكي” يعتبر الاب الروحي لهذه الميليشات وهو من اسسها اول مرة ” باعترافه هو!” واستعملها في الحرب الطائفية الداخلية فيما بعد ، فان حيدر العبادي(2014–2018)الذي وصف هذه الميليشيات ب” أمل العراق والمنطقة” لم يألو جهدا في سبيل اصدار قانون لصالحها في البرلمان عام 2016. وجاء دور”عادل عبدالمهدي (2018–2019) ليضفي على هذه الميليشيات الطابع الرسمي ويدخلها في مؤسسات الدولة من أوسع أبوابها!
ان كان قادة الأحزاب الشيعية ورؤساء الحكومات قد خططوا لتأسيس جيش عقائدي طائفي بديل عن الجيش العراقي ، فان للشعب العراقي رأي آخر وقرار وطني صارم قد يقلب الطاولة على رؤوسهم وتبطل اجنداتهم السياسية ، وقد بدأها بالمظاهرات والاحتجاجات التشرينية العارمة وقدم تضحيات من دماء أبنائه (اكثر من 800 شهيد) ونجح في اسقاط حكومة “عادل عبدالمهدي” ، وانهاها بضربة قاضية من خلال اجبارهم على اجراء انتخابات مبكرة وجعلهم يتجرعون مرارة الهزيمة النكراء ويترنحون تحت الضربات الموجعة لأول مرة..
انا أتصور ان الكاظمي قد ادار الصراع السياسي معهم بذكاء وحرفية عالية وتحلى بصبر منقطع النظير ، واشرف على انتخابات نزيهة ادارها مع فريق المفوضية “بشكل مهني” حسب كلمة رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق “جينين بلاسخارت” التي القاها في مجلس الامن . وقد أشاد بها رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني واعتبرها “من افضل العمليات الانتخابية” التي جرت في العراق منذ 2005 مؤملا ان “يساهم البرلمان القادم ، في حسم الخلافات بين بغداد وأربيل، وإحداث استقرار سياسي في البلاد!