يشهده العراق منذ ثلاثة أشهر حاله تمزق سياسي وعوده التخندق الطائفي وارتفاع وتيرة خطاب التخوين والتسقيط السياسي وظهور رايات القاعدة في الانبار والموصل وسامراء في وضح النهار واستعراض قوه الإرهاب في عمليات دمويه في قلب بغداد لإظهار عجز الدولة وضعفها مع فشل النخب من مختلف الأطياف في التعامل مع القضية الوطنية بمسئولية وحرص ونزاهة مفقودة باتت تقلق المواطنين وتثير حيرتهم.
ان هذا التحدي يظهر بوضوح عدم قدره الدولة على التعامل الوطني الحازم في مواجهة ألازمه ألراهنه التي تمثل في بعض أجزاءها امتدادا للزلزال السوري الذي عبر عنه تنظيم القاعدة بدمج تنظيماته في( الشام والعراق) تعبيرا عن مخطط خلق كيان خاضع لهذه التيارات السلفية برعاية عربيه- تركية- غربيه يمتد من البوكمال وبعض المناطق الحدودية السورية الى الانبار والموصل لفصلها تماما عن سيطرة الحكومتين السورية والعراقية تحسبا لتغير ميزان القوى لصالح الجيش السوري …..في وقت تشهد فيه الساحة العراقية اولوية الانتخابات البلدية التي يبدو وكأنها غير معنية بالمتغيرات الخطيرة في الوضع الإقليمي و الملف الأمني وتحالف تنظيمات مسلحة ذات أجندات معروفه… و لا يغيب عن هذا المشهد المعقد الضغط المتواصل على اليد المرضوضة من قبل اربيل في إطار نفس المخطط الإقليمي الذي لا ينذر سوى بالفاجعة والخطر.
هذا المأزق الجديد يظهر هذه النخب العراقية التي يفتقد اغلبها للحس الاستراتيجي وكأنها أمست في نظر الغالبية الشعبية جزءا من الأزمات التي تواجه الوطن بدلا من أن تكون صاحبة الحلول العقلانية والحاسمة ومواجهة العواصف…. فما عدته حكومة المالكي تعاملا مع مطالب مشروعه للمتظاهرين مثل أعاده البعثيين وإطلاق سراح ألاف السجناء وأعاده ضباط كبار لصفوف ا الاجهزه الأمنية او إحالتهم على التقاعد اعتبره ضحايا النظام السابق ركوع الحكومة وخيانة أحزابها وتخاذلا إمام قوى طالما حملتها مسئوليه المجازر والحروب وانتهاك حقوق الشعب على مدى 35 عاما من حكم البعث في العراق وبالتالي توجيه الاتهام حتى لحزب الدعوة بأنه ليست لديه نية حقيقية للتخلص من تركة النظام السابق, بل إنه يقوم بدور المدافع عن ازلام ذلك النظام وتسهيل عودة رموز ه ونسيان ضحايا المقابر الجماعية بدليل امتلاكهم كل هذه الجراءة للترشح في الانتخابات, وقبلها الترشح لعضوية مجلس النواب تحت مرآى ومسمع ألاف الشهداء وضحايا الإرهاب ويعتبرونه خير شاهد علي ان العراق لم يتغير, وأن نظام صدام لم يسقط لسبب بسيط هو أن هناك من يرفض أن يقوم بالمهمة بل وأن هناك من يمهد لعوده البعث لأنه غير قادر على المواجهة وحسمها ويترك الطريق إمام عوده الإرهاب والدكتاتورية مجددا .
فيما البعض الأخر ممن استغلوا التظاهرات وصفوا وقوف المطلك التكتيكي وحزبه مع سياسة الحكومة بأنه( خيانة وتأمر عليهم) …. ووسط هذا الصراع والتخوين المتبادل بين نخب الطائفتين العربيتين تبدو ألدوله وكأنه فقدت ذلك الزخم الذي عرفته قبل ثلاثة أعوام بينما زادت ألهوه بين الشعب ورجال السياسية الذي يحملهم الإعلام والناس وحتى المرجعيات الدينية وزر جميع الأزمات التي تعصف ببلاد الرافدين.
تساؤل محرج وصعب طالما تداوله المثقفون والمعنيون بمتابعه تطورات الملف العراقي يتعلق بأحقية من يعارض أي نظام شمولي في تسلم السلطة بعد رحيله حتى من دون امتلاكه للمؤهلات القيادية والمعرفة والوعي لأداره دوله طالما حكمت بالعنف والقسوة والرأي الواحد والبيان رقم واحد لقاده الانقلابات وتفضيل أهل الولاء على الكفاءات والتكنوقراط… دوله الزعيم الأوحد والقائد الضرورة…. دون أن نطرح هنا إشكاليه من أزاح صدام حسين وكيف ولماذا مما سيدخلنا في متاهة مظلمة وعره وشائكة جدا.
والأمر هنا لا يتعلق بالشرعية الديمقراطية او استخدام دماء وعويل ضحايا النظام السابق في الإقصاء او في التمسك بالسلطة واستغلال المال العام والذي اتخذ بعدا طائفيا مقصودا في العراق يضاعفه في تعقيد المشهد تدعيم وجهة نظر الجانب الكردي في الانفصال عن العراق في مناخات صراع وتشرذم داخلي ووضع إقليمي ودولي مناسب تماما لمطالب الأكراد وتطلعهم نحو إقامة دولتهم ربما على حساب العراق وسوريا الذي يرضي كلا من طهران وانقره وفقا لتقرير خطير كشف مؤخرا في الغرب. قد يكون خيار( الحرب او التفريق او المفاوضات غير المتوازنة) الذي عرضه البرزاني على وفد التحالف الوطني مؤخرا أوضح دليل على ضعف ألدوله وتناحر مكوناتها.وفشل نخبها في لجم المتغيرات السلبية وتدخل دول الجوار في الشأن العراقي.
هل يعني الفشل الراهن في أداره ألدوله العراقية بعد مرور عشره أعوام على سقوط الدكتاتورية، بحيث لم يعد الكثيرون يشعرون بالخجل من مقارنتها بما كان عليه الحال في ظل النظام السابق الأكثر صرامة وحزما وقدره على مواجهة الأزمات داخليه وخارجية والدفاع عن سيادة العراق وأداره مؤسسات ألدوله بتفوق أفضل ولو عبر الاستخدام الوحشي للقمع،…. ان الأحزاب العراقية التي صالت وجالت على المسرح السياسي على مدى عقد من الزمن رافقه ارتفاع أسعار النفط هي جزء أصيل من هذه الأزمات وإنها بالتالي جزء جوهري منها رغم انه ليست لديها حلول او إجابات على تساؤلات الناس وتطلعاتهم ومن ثم فإن ما قدمته من فكر ومواقف ونضح مأزوم خاضع لتبرير التوافق كوسيلة للهروب من معالجه القضايا والخلافات جذريا هو فكر, لا تحكمه مرجعيه وطنية واحده او مشروع للأمن الوطني بينما انتظر الشعب بعد 9 نيسان 2003 قوى سياسيه تتسابق لتقديم العطاء الوطني الخالص والنزيه لا الطائفي الحزبي لكي ينهض العراق من كبوته ويداوي جراحه في هذا المنعطف الاستثنائي وهو ليس زمن المغانم أو المكاسب والفرهود والانتقام بل زمن العبور بالسفينة الى بر الأمان.
هل نلقي كامل وزر الكارثة التي حلت بنا على مشروع بريمر الذي توهم ان بإمكان المتناقضات الاثنيه رغم كل ذكريات الحروب والمشانق وبشاعة الدكتاتورية ان تتعايش وتتفاهم تحت خيمة العم جيفرسون؟؟؟؟ الثابت ان الأمريكيين وهم يعترفون بذلك لم يكن لديهم حلول لمرحلة ما بعد صدام حسين على غرار البريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى ودخولهم بغداد فاتحين محررين شعبها من عقود من النير العثماني الذي بات البعض يتغزل به… ام أن كل ما جرى كان جوهر المخطط ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) أي ترك الصراع بين المكونات العراقية غير الواعيه يقود إلى تمزيق الأرض وتغيير الخارطة.؟؟؟
في الإجابة يرى البعض ان جوهر القضية أن هذه النخب العراقية لم تؤمن أصلا بالتعايش فيما بينها ولا تؤمن حتى بالديمقراطية والياتها وان الشكوك والضغائن حكمت علاقتها منذ البداية بدليل سهوله إشعال القش الطائفي مع أول شراره او تصريح سياسي او حادث مفتعل….؟ يضاف لذلك أنها تفتقر أصلا إلي الخبرة و الإبداع وشاءت بملء إرادتها أن تغرق يوما بعد يوم في مستنقع المصالح الذاتية والمكاسب الشخصية والحزبية وجشع المال السحت علي حساب الوطن ومستقبل شعبه وتحديات البناء الفكري والعمراني والاقتصادي وطي صفحه الماضي رغم جراحها ضاربة عرض الحائط بحقيقة أن العراق خرج للتو من المحرقة ليواجه فداحة تركة الكوارث السياسية والاقتصادية والأمنية لنظام صدام حسين ومنظومة تحالفاته الداخلية والخارجية التي ورثها لنا النظام المخلوع, مما تسبب في ارتباك في أداء وتفاعل النخب السياسية قليله الخبرة و التي لها علاقة مباشرة بإدارة تفاعلات السياسة والحكم و الذي ظهر جليا هذه الأيام بأبشع صوره.
لقد انعكس الفشل وتأجيل الحلول وتبرير الاستقواء بالداخل على الخارج انعكس بالضرورة حتى على مواقف النخب الثقافية والفكرية التي انجرف بعضها وراء المشروع التوراتي في المنطقة لتنزع ثوب الوطن والعروبة لصالح ألطائفه واستبدال الايدولوجيا السياسية بمرشدي الطوائف والمشايخ والمفتين الطائفيين في انتكاسه خطيرة حولت جوهر الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع سني- شيعي أمست فيه طهران بدلا عن إسرائيل العدو الأول للعرب.
هذه النخب العربية والعراقية خصوصا تؤكد يوما بعد يوم أنها تعيش أزمة علاقة حقيقية بين مؤسسات الحكم التي أقحم فيها دور المؤسسة الدينية في دوله مدنيه أصلا بعضها ناتج عن طبيعة المشروع الأمريكي في المنطقة والذي بدا في العراق وهو مشروع أثبتت الوقائع انه ابعد ما يكون عن إشاعة الاستقرار وبناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد وتكريس قيم الديمقراطية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.
غير أني أعتقد أن الجزء الأهم من الماساه العراقية ناتج أصلا عن مشاكل خاصة بهذه النخب السياسية ذاتها ومنظومة القيم والأخلاقيات والمبادئ التي تحكم أداءها بعيدا عن الايدولوجيا وارث شهداء ورموز الأحزاب الحاكمة خاصة الشيعية منها التي أظهرت حرصا مفرطا على النفوذ والإمساك بالمواقع أكثر من حرصها حتى على شعاراتها ومبادئها وشهدائها وارثها التاريخي منذ ثوره العشرين وحتى ألانتفاضه الشعبانية بينما على العكس دخل الأكراد اللعبة منذ كتابه الدستور ويحكمهم هاجس قومي واضح ودقيق وهو التمهيد للانفصال بعد استنفاذ اكبر ما يمكن الحصول عليه من الوطن الأم…. بينما لم يخرج الآخرون عن هاجس التاريخ وحكم ألطائفه الواحدة.
يذكرني الواقع السياسي العراقي الراهن، الذي هو اخطر مما شهده العراق عام 2006، بما كتبه المفكر العربي عبد الله العروي في كتابه ( أزمة المفكرين العرب) حيث يعتقدا أن النخب العربية هي أصحاب ردود فعل لا أصحاب أفعال فيما يتعلق بمصائر أوطانهم وأنظمتهم ومستقبلهم..
ونتساءل في النهاية :ماذا كان سيحدث لو ان الأمريكيين كرروا نموذج إسقاط جدار برلين في أوروبا عام 1989 واكتفوا بدورهم في إسقاط رأس النظام و الإبقاء على مؤسساته ووضع العراق تحت إدارة الأمم المتحدة والقبعات الزرق لفترة انتقاليه مثلما طالب عدنان الباججي في مقال نشرته النيوزويك عام 2002, وتركها تكشف ممارسات النظام السابق وتحاكم جرائمه وتنزل بقادته القصاص العادل بدلا مما اعتبره البعض انتقاما طائفيا وهو في حقيقة الأمر لم يكن كذلك.
, هذا هو الواقع الحقيقي, وهذا هو السبب المباشر لكل الكوارث التي تواجه مصير العراق وخارطته الآن وما تعصف به من أزمات أمنية وسياسية بدأت بعدم معرفة الطريق هل نمضي مع الأمريكيين ام نعاديهم؟؟ هل نحن أخطانا ام على صواب؟؟هل نجتث البعثيين ام ننتقي من نستثنيه؟؟؟ كيف سنتصرف مع إيران وتركيا وماذا سيكون موقفنا مع عالم إسلامي اغلبه من اهل ألسنه يمتلك من الشكوك الكثير تجاه الهلال الشيعي؟؟
؟ وفي النهاية وتحت ضغط الإرهاب والعنف والتجاذبات الإقليمية وتسليم القرار لسماسرة ومروضي أفاعي تم التخلي عن وديعة الشهداء وتكرار أخطاء النظام السابق و العودة لبروتوكولات دوله الحزب وتقديم أصحاب الولاء على من يعرف إسرار ألدوله وكيف يديرها ويتعامل مع هموم الناس اليومية بمهنيه ودراية وخبره ….هدم كل البناء دون ان نمتلك حتى خارطة بناء جديدة لان اغلب من أصبح من أصحاب الحل والعقد لا يمتلكون أكثر من شهادة النضال والمعارضة وشهادة وفاه أخ او أب أعدمه البعثيون في سنوات الجمر او اثأر سياط في سراديب الأمن العامة وصوره أهل غيبتهم المقابر الجماعية…. والتي هي ليست كافيه لتشييد صرح جديد او معالجه مريض ومد أنبوب نفط او صيانة خزينة وكشف شبكات إرهاب في وطن قدره الخراب والحروب والدمار… و ومن قبلها إقصاء الوطنيين والشرفاء بعد سقوط الأصنام السلطوية.