تعيش منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام واحدة من أخطر الفترات في تاريخها الحديث مع اندلاع المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل حرب قد تكون شرارتها محصورة بين دولتين لكنها تهدد بجر المنطقة بأسرها إلى دوامة عنف جديدة. العراق، الذي خرج منهكا من سنوات من الحروب الداخلية والصراعات الإقليمية يجد نفسه اليوم عالقا وسط هذا الصراع ، يراقب تطوراته بقلق ويدفع ثمنه بشكل مباشر وغير مباشر.
العراق… موقع جغرافي يفرض عليه الانخراط
لطالما شكل الموقع الجغرافي للعراق بين إيران من الشرق وسوريا والأردن من الغرب سببا في جعله ساحة لتقاطع المصالح وصراعات القوى. ومع بدء الحرب بين طهران وتل أبيب ٫استخدمت الأجواء العراقية لعبور طائرات مسيرة أو صواريخ خلال الهجمات المتبادلة. ورغم البيانات الرسمية المتكررة للحكومة العراقية التي دعت فيها الأطراف كافة لاحترام سيادة العراق وعدم استغلال أجوائه ، إلا أن صواريخ الحرب لا تعترف بهذه النداءات.
العراق اليوم في وضع لا يحسد عليه فهو لا يملك القدرة على فرض سيطرة كاملة على أجوائه ولا يستطيع المجازفة بالدخول في صدام مع أي طرف من أطراف النزاع وتبقى الحدود العراقية المفتوحة وتعدد القوى غير الرسمية داخل البلاد سببا إضافيا لتعقيد الموقف.
على الصعيد الاقتصادي، جاءت الحرب لتزيد من معاناة الاقتصاد العراقي. إذ يعتمد العراق بشكل جزئي على استيراد الغاز والكهرباء من إيران، ما يجعل أي تصعيد في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على إمدادات الطاقة داخله. في الأيام الأولى من الحرب، شهدت الأسواق العراقية ارتفاعا ملحوظا في أسعار الكهرباء والوقود والسلع الأساسية وسط مخاوف من شح هذه المواد إذا طال أمد الحرب أو توسعت رقعتها ورغم أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا قد يبدو مكسبا لحكومة بغداد من حيث زيادة العائدات المالية إلا أن هذا المكسب يحمل في طياته الكثير من التحديات. فاستمرار الحرب قد يعرض المنشآت النفطية العراقية لخطر الاستهداف أو التوقف خاصة في المناطق القريبة من مناطق النفوذ الإيراني أو القواعد العسكرية . كما أن زيادة العائدات لن تنعكس بشكل فوري على حياة المواطنين في ظل الفساد المزمن وسوء إدارة الموارد.
أما أمنيا، فقد أوجدت هذه الحرب وضعا بالغ الخطورة. العراق الذي لا يزال يحاول استعادة تماسك مؤسساته الأمنية بعد سنوات من القتال ضد داعشيواجه اليوم احتمال تحوله إلى ساحة صراع بالوكالة بين إيران وإسرائيل أو بين حلفائهما في المنطقة.
القوى السياسية العراقية المنقسمة في مواقفها تزيد المشهد تعقيدا٫ فبينما يدعو البعض إلى الحياد التام وتجنب الدخول في أي محور، لا يخفي آخرون تعاطفهم مع أحد أطراف النزاع، ما يعمق الانقسامات داخل البيت العراقي والمخاوف الأكبر هي من احتمال استغلال الميليشيات المسلحة التابعة لهذا الطرف أو ذاك للصراع مما قد يجر البلاد إلى مواجهات داخلية جديدة.
وسط كل هذه التطورات يقف المواطن العراقي كضحية دائمه لصراعات لا يد له فيها٫ القلق يخيم على الشارع خاصة بعد التجارب المرة التي عاشها خلال العقود الماضية٫ يخشى العراقيون من تصاعد الحرب وتحولها إلى نزاع شامل يضرب الاستقرار الهش الذي يحاول العراق بناءه منذ سنوات.
الكثير من العائلات بدأت بتخزين المواد الغذائية والوقود في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحروب السابقة والعيون تبقى شاخصة نحو الحكومة والمجتمع الدولي أملا في تحركات توقف الانزلاق إلى الهاوية
يبقى السؤال الكبير: ما الذي ينتظر العراق في ظل استمرار الحرب؟ السيناريوهات عديدة، وكلها مقلقة٫ فمن جهة، قد ينجح المجتمع الدولي في احتواء التصعيد وفرض تهدئة، ما يمنح العراق فرصة لالتقاط أنفاسه ومن جهة أخرى إذا تطورت الحرب إلى مواجهة مفتوحة شاملة فقد يجد العراق نفسه في عين العاصفة، حتى لو لم يرغب في ذلك.
في المحصلة، يواجه العراق اختبارًا صعبًا يتطلب من قادته اعتماد سياسة متوازنة حكيمة، تهدف إلى تحييد البلاد عن صراع لا مصلحة لها فيه، وصون سيادتها ووحدة أراضيها، وحماية شعبها من تداعيات حرب إقليمية خطيرة وتجنب الانزلاق إلى أتون الصراع والتعامل بحكمة مع المتغيرات الإقليمية سيكونان المفتاح للحفاظ على سلامة العراق وشعبه في ظل هذه الظروف العصيبة.